الأشخاص المتذمرون، أصحاب ذوات منطفئة، لا يرون أبعد من أخمص القدم.
هؤلاء يذهبون إلى الحياة، فيتعثرون بأصغر حجر، فهم لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، هؤلاء أناس يعيشون بلا هدف، فالأهداف بالنسبة لهم مثل الهضاب الرملية العالية، عندما ينظرون إليها، يشعرون باليأس، ويعلقون عجزهم على الآخر، ويقولون لولا هذه الهضاب العالية لكنا أفضل، ولا يفكرون بوسيلة يحلون بها معضلة الهضاب، بل يرمون الآخر بنعوت ما أنزل الله بها من سلطان.
هؤلاء يعيشون حالة الإدانة المزمنة، والقنوط، والإحباط، والسخط، ولا تجد في أعينهم بريقاً، ولا تجد على وجوههم سحنة الانبساط، هم هكذا يوجدون في الحياة مثل قوقعة خاوية، مثل واد أعجف، مثل شمعة نحل ذابلة، مثل كومة قش على تلة عالية، هم هكذا مثل غرفة نوم مهجورة، لا تشم فيها غير رائحة أزمنة غابرة.
الطالب المتذمر يصف المدرسين بسوء معاملته، وعجزهم عن شرح الدروس الصعبة. ويلقي باللائمة على المناهج وينعتها بالمعقدة. الموظف يتحدث عن مسؤوليه وكأنهم أعداء يلقون الأحجار في طريقه كي لا يفلح في إنجاز ما يوكل له من عمل. الابن يلوم والديه أنهما يسيئان معاملته، وهما سبب فشله في الدراسة، وفي العمل، وفي الزواج. الأب يئن حزناً على ابنه الذي لم يشرفه أمام الناس، ولم يحقق ما تمناه منه، بأن يصبح رجلاً مسؤولاً له أسمه بين الأقران، والجيران. الزوجة تشتكي الزوج القاسي، والذي لا يعرف للحياة الزوجية قيمة. الزوج يلوم زوجته بأنها سبب تعاسته.

هؤلاء الأشخاص حتى ولو ذهبوا إلى السوق، فسوف تكون لديهم مشاعر سوداوية تجاه الناس، يتذمرون من الزحام، يتذمرون من ارتفاع الأسعار، يتذمرون من ضجيج أبواق السيارات، يتذمرون من الاكتظاظ، وقلة المواقف.

عندما تنظر إلى هؤلاء الأشخاص تجد أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون مشكلة، يتحدثون عنها وعندما يتخلصون من مشكلة، فإنهم يخلقون أخرى، فلا بد وأن يكون هناك من زيت يسكبونه على نار ذواتهم، إنهم متعطشون دائماً لحكاية مأساوية، يمضغون لبانها المر، إنهم يغطون في وحل الوهم الداخلي، إنهم أموات، فقط تأخر دفنهم. ولو تفحصت وجوه هؤلاء، ستجد ندبة واضحة على جباههم، تشير إلى تاريخ طفولي غير سوي، وإلى حروب ماضوية، تتبين آثارها في الجفنين الذابلين، وفي الجبين المغضن، ومخارج الألفاظ المرتبكة. هذه إشارات بينة لتاريخ ملئ بالنقاط السوداء.
فالبيت هو دائرة الضوء، أو السماء المظلمة. علينا أن نختار، ما بين النور، أو الظلام والبداية هي أم صالحة أو طالحة، وأب ناجح أو فاشل. فالعلم في الصغر، كالنقش في الحجر.