من الشارقة إلى رأس الخيمة والفجيرة، يتواصل المشهد الثقافي في بلادنا، ويؤكد عمقه وديمومته وتنوعه، ليتكامل مع الفعل المعرفي والفكري والفني، الذي تحرص القيادة على ثرائه، وإسهامه في التنمية الوطنية الشاملة، فالأمم تتقدم بالعلوم والفنون، وبالتراث والمعاصرة، لتكون قادرةً على صناعة مستقبل أجيالها المقبلة.
تشرفتُ الأسبوع الماضي بجولة في الإمارات الثلاث، وأسعدتني إعادة افتتاح قاعة أفريقيا في الشارقة، الإمارة التي تحتفي بالنشاط الثقافي والفني على مدار العام، وتشكل ركيزةً مهمة من ركائز العمل المؤسسي في الدولة، في هذا المجال.
التهنئة مستحقة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة على اهتمامه بإثراء التواصل الحضاري مع أفريقيا؛ القارة التي تربطنا بها صلات دينية وثقافية عبر التاريخ، وشكّلت اللغة العربية أبرز حواضن منتوجها الفكري والإنساني في إطار التواصل الطبيعي بين شمال القارة وجنوبها.
وغني عن القول إنّ سموه من أبرز المثقفين العرب المعنيين بمدّ الجسور بين الأمم، واستلهام المنتج الحضاري لمختلف الشعوب، باعتباره قيمةً مشتركة، وافتتاحه قاعة أفريقيا التي احتضنتها الإمارة الباسمة منذ العام 1976، يأتي في هذا السياق، ويسهم في إصرار الدولة على تلازم «الثقافة» و«تنمية المعرفة» في مسار واحد.
ومن الشارقة، التي احتضنت الأسبوع الماضي «منتدى قادة الإعلام العربي» أيضاً، إلى خصوصية الجهد العام في صناعة الهوية الثقافية للإمارات في معرض البردة للفن الإسلامي في متحف رأس الخيمة، تمهيداً للتظاهرة الإبداعية العربية والعالمية، التي تستضيفها الإمارات في 14 نوفمبر المقبل، ضمن فعاليات «مهرجان البردة».
المعرض الذي يضم 18 قطعة نادرة من روائع البردة، يُعيد الاعتبار للأبعاد الجمالية المؤثرة في الفن الإسلامي، ووجدتُ اهتماماً بتنميته ورعايته من صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم رأس الخيمة.
كذلك، وإحياءً لتراثنا الأصيل، الذي رعاه الأب المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وعلى هامش المعرض كانت أمسية استثنائية للمالد الإماراتي؛ أبرز الفنون الشعبية المحلية في صياغة الوجدان، والتصاقه بالهوية والمكان، لأن مقاربة الأصالة على نحو يلتقط بعدها الحضاري، تجعلنا أكثر قدرة على اكتشاف الكنوز الساكنة في عمق تراثنا المحلي.
وفي «بيت الفن» التابع «لهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام»، فقد كانت فرصة ممتعةً لي، وللجمهور، للاطلاع على الأعمال والفنون التشكيلية، وما يرافقها من دورات وورش وفعاليات، وهذا البيت الفني الإماراتي يمتلك كل الشروط والإمكانات اللازمة، ليكون بيتاً مؤهلاً للتوأمة مع أهم البيوت الفنية في العالم.
في الإمارة الساحلية الغنية بجمال الطبيعة وسحرها، تشرفتُ بلقاء سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، وأطلعته على الخطط الإستراتيجية التي تتبناها وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، للمساهمة في تعزيز مكانة الدولة، وترويج منتجها التراثي، ونموذجها التنويري.
لقد كان أسبوعاً ثقافياً حافلاً، يزيد من اعتزازنا باتساع مساحة النشاط الإبداعي، لتشمل كل نقطة في خريطة الإمارات.