من منا لا يخاف؟ كل فرد يحمل في داخله كتلة من أنياب الخوف، تعرقل رحلته في الحياة.
نخاف من المسؤول. ونخاف من الوالدين، ونخاف من الزوج، أو الزوجة، نخاف من المرض، ونخاف من ركوب الطائرة، ونخاف من العزلة، ونخاف من الغربة، ونخاف من الظلام، ونخاف من أحلامنا الليلية.
هذا يحدث لأغلب الناس، لأن الخوف زرع منذ زمن بعيد، قد لا نعرف تاريخه، ولكنه موجود، ومؤثر إلى درجة أنه قد يشعل حروباً لا هوادة فيها، وقد يحرق أكباداً، ويسرق النوم من عيون لا يغمض لها جفن.
الخوف ساري المفعول منذ أبد الآبدين، والإنسان خاف من الطوفان، والزلازل، والبراكين، وخاف من الوحوش، ولكنه لم يسبق له أن خاف من نفسه إلا في عصور الحضارة، والتقدم العلمي.
اليوم وبعد أن قطع الإنسان مسافة شاسعة في الاختراع، والإبداع، لم يعد خائفاً من الطبيعة بالقدر الذي يخاف فيه من نفسه.
الإنسان يخاف من الإنسان، ولذلك يتسابق وبسرعة البرق، في ابتداع ما يخيف الآخر، وما يردعه عن مهاجمته. فأنت تخاف من زميلك في العمل من أن يدفع بوشاية أمام المدير، تدمر مستقبلك، ولذلك فأنت تتسلح بكل أساليب المكر، والدهاء، لدرء الخطر عن نفسك، وقد تطور من أسلحة دفاعك، وتقوم أنت بالوشاية، إيماناً، بنظرية خير وسيلة للدفاع، الهجوم. وبالتالي تنتشر أساليب الوشاية العدائية، ومعها تنمو الضمائر الخربة، وتنتعش سوق التجارة في سوق المناوشات، والمشاغبات، ورسم الصور السوداوية ضد الآخر، فقط من أجل رضا المسؤول، ومن أجل الإطاحة بمن تفكر أنه يكن لك العداوة.
فأنت قد تخاف من زوجتك فتنتهج أسلوب الكر والفر، كما في المعارك بين الجيوش في الأزمنة الغابرة. تحاول أن تكون أمامها من أولياء الله الصالحين، ولا يشق لك غبار، تحاول أن تتحاشى نظراتها المستريبة، والمهيبة، تحاول أن تكون العاشق الذي لا يرى في محبوبته عبئاً، ولا جيباً. أنت تخاف من صديقك في أن يفشي سراً، لا يعلمه سواه، ولذلك، تفكر في البحث عن مثلب تلصقه به ليكون سلاحك في حالة الضرورة.
وهكذا يستمر الخوف، يحفر في صدرك جحر الرعب، ويجعلك دائماً في حالة اللا سواءً، لأن الخوف مثل اللص المحترف يعرف كيف يجعلك رهينة لإرادته، وعبداً لأوامره، وطالما أنت تخاف، فأنت لست ملكاً لنفسك. ولذلك يسعى كل ذي غرض، ومرض، في تكبيل الناس بصور وهمية، منبعها التخويف، لفرض السطوة، والسيطرة. وهكذا تفعل المؤدلجات من العقول، والنفوس المريضة، والمستعلية.