ثلاثُ ليالٍ عشتها في (أيام الموسيقى العربية) في برلين من 21 إلى 23 سبتمبر الجاري. عدت منها محملاً بحصيلة رائعة من المعزوفات الموسيقية المدهشة، وسحر النغم العربي، وسحر آلاتنا الموسيقية التي تحمل الروح العميقة للشرق، والتي يجد فيها المستمع الأوروبي أبعاداً جمالية تخطف القلب، وتثير الدهشة دائماً. وعلى هامش المهرجان، كانت هناك أمسيات شعرية، وعروض لتجارب سينمائية، وفنون تشكيلية، تعبّر عن الذائقة العربية في تجلياتها المختلفة.
يقام هذا المهرجان للسنة الثانية على التوالي في أكاديمية إدوارد سعيد في برلين. ويترأسه عازف العود الشهير نصير شمّة الذي بدأ منذ سنوات بزرع بذور جديدة لإحياء الموسيقى العربية من الجذور، وطاف منذ أكثر من عشرين سنة بين بلدان عدة، ليؤسس مذهباً جديداً في الموسيقى، عبر إحياء الفلسفة الموسيقية العربية، بداية من أطروحات الفيلسوف الفارابي، وصولاً إلى إتقان صناعة الآلات الموسيقية العربية وتطويرها، وتطوير فنون العزف عليها وإدخالها كعناصر أساسية لعزف المقطوعات والمؤلفات الموسيقية العالمية، ولأجل ذلك قام بتأسيس بيت العود في أكثر من مدينة عربية.
في برلين، قدم نصير خمسة عازفين صغار على آلة القانون، مع أستاذهم والمشرف عليهم الفنان بسام عبدالستّار. وهم جميعاً من منتسبي بيت العود في أبوظبي، وتتراوح أعمارهم بين 12 - 16 سنة، قدموا معزوفات من عوالم الموسيقى الشرقية والغربية، قديمها وحديثها، مع صولو خاص لكل منهم. حيث ارتفعت هتافات التصفيق لهم، وسط ذهول لافت من الجمهور الألماني الذي يُعرفُ بالرزانة. وكانت تلك الأمسية محط تقدير لكونها كشفت عن الثمار التي بدأ نصير يحصدها بعد هذه السنوات من الغرز، أيضاً كانت المعزوفات، الشرقية والغربية، وكأنها استعراض جديد لإمكانات آلة القانون التي من النادر أن يعزف بها مقطوعات أجنبية.
هؤلاء الأطفال الصغار، في المسرح الدائري الذي امتلأ عن آخره في اليوم الثاني من المهرجان، قدموا رسالة إنسانية عالية، باسم الإمارات التي تبنت مشروع بيت العود في أبوظبي ودعمته، وباسم الموسيقى العربية التي تحمل في طياتها إمكانات ومساحات للتعبير لا تزال غير مكتشفة. فشكراً لهم على هذا التفوق والجمال.
قدم نصير شمة عزفه الساحر على العود، ورافقناه شعراً ولوحةً وغناء وسينما، فاكتملت ملامح الثقافة العربية. لكن الحلم الذي قرأته في عينيه، كان رغبته في تأسيس بيوت للموسيقى العربية في أوروبا، ونشر عبقها في العالم كله.