اليوم كالأمس، الزمن يعيد نفسه، والأخلاق نسق اجتماعي يرتب سلوك الناس ويعتني بحياتهم يجعلها مثل النهر صافية، يجعلها مثل الجبال راسخة، يجعلها مثل البخور الصباحي، تفوح برائحة الفرح والانتعاش. عندما نرى الشرطة المجتمعية، ونشاهد رجالاً من بلادنا، ونساء يرفلون بعطر الابتسامات، وهم ينسجون أهداب الحب بين الناس، ويندمجون مع النسيج الاجتماعي مثلما تنغمس حبات السكر في الماء لتزيده عذوبة، تعود بنا الذاكرة إلى أيام زمان، أيام «المطارزي» هذا الإنسان الذي وهب حياته من أجل وصل الخيوط ببعضها؛ لتصبح قماشة المجتمع، ملونة بالحب والانسجام وعلاقات منقوشة بالتواد والتراحم والتعاون والتعاضد، لا يشكو عضو في المجتمع من عقبة تعرقل طريقه إلى الحياة الهانئة، إلا وتداعى له الأقربون والأبعدون للحماية والرعاية والعناية، وتخفيف ما ثقل من هموم وغموم وسقوم وغيوم. اليوم ما تقوم به الشرطة المجتمعية هو نفس الدور بأدوات مطورة، تتناسب والعصر الذي نعيشه. هذا السلوك الحضاري الجميل، يبعث على الفخر، ويجعلنا نقول إن الإمارات لم تدخل غرفة العصر الحديث فجأة، بل هي تلج بحر الزمن، وهي مؤتزرة بإرث قويم وتاريخ يشد بعضه بعضاً إلى التماسك والتضامن بين أفراد المجتمع، والقارب مستمر في شق عباب الموج بثقة وثبات واتزان والبحارة ينشرون الشراع باتجاه الأفق، بقلوب مؤمنة وضمائر حية متكئين على خصال الماضي، وعيونهم على المستقبل، والربان يهتف باسم الحب نأتلف جميعاً، وعلى بركة التاريخ المجيد لهذا البلد العظيم، نشرع للسفر عبر محيطات الزمن والأيدي متشابكة والقلوب تضم بعضها بعضاً، وما دمنا نحن كذلك، فلا خوف من الموج، ولا قلق على منجزاتنا؛ لأن الحب هو ناموسنا والتقاليد العتيدة، هي قاموسنا، والحلم الجميل هو ناقوسنا، والأجيال تتلاحق في رسم الصورة المثلى لمجتمع تتجاور فيه القيم مثل تجاور الحاجب والحاجب، وتتعاضد العزائم مثل تعاضد أعضاء الجسد الواحد. وهكذا تمضي سفينة الأمل، إمارات الخير محفوفة بمبادئ قيادة رشيدة، آمنت أن الناس أنفاس، إن صلحت الأنفاس طابت الضمائر، ومضت إلى الخير طواعية بوازع أخلاقي مبني على صلاح الجذور، ولا ترتفع أمة ولا تنهض إلا بتعاون الجميع لصد الرياح وكبح الجراح. هذه الإمارات، بالشرطة المجتمعية تكرس واقعا جديدا قديما، بمعنى أننا سبقنا الحداثة بقرون في ذوبان الجميع الشرطة والناس في بوتقة الحب والإيمان، إننا الواحد في الكل، والكل في واحد، نتوارث الانسجام المجتمعي، ونجدِّده ونطوره، حسب مقتضيات العصر ومتطلبات الظروف.