في زمن اجتاح فيه السيل وانهد الحيل وتمزقت أحلام وتفرقت أعلام وغرقت مراكب وأرهقت مناكب واحترقت أوطان وتشرد الإنسان وطغى الطاغية حتى شق قميصي عمر وعثمان ولم يبق في الزمان غير أوثان تلاحق أوثاناً وطوفان يتبعه طوفان وهرطقة تحدث قعقعة وموقعة، والفكرة العربية حائرة في أحشاء الأسئلة الغامضة، لا شيء يصدق والحقيقة مخبأة في تجاويف المبهم.
ها هنا في الوطن العربي تعبث المخالب والعواقب والنواكب وتجول وتصول تحت غشاء رث ومنطلق غث وصار الدين كرة الثلج تدحرجها جماعات على سفوح الوعي الأغبر، تحول الأبيض إلى أسود وترتدي عباءة الدين ظلماً وبهتاناً وتحتسي من أجاج الأفكار المدلهمة وتتغذى على أجساد المغبونين والمظلومين والمغلوب على أمرهم. جماعات ظنت أنها امتلكت صكوك الغفران فراحت تبطش وتعطش كلما تورمت ذات أنانية شيفوفية بغيضة. جماعات تحالفت مع الشيطان ضد الأوطان فهددت المصير واضطهدت الهوية وضاع الحلم في دياجير الغش العقائدي والنبش في قبور الميتين وعبادة الوهم.
في زمن انتهز فيه الوصوليون فرصة تهتك المبادئ الوطنية فقفزوا كالعناكب متسلقين الجدران القديمة المتهاوية معشعشين في شقوقها وشروخها، منتفخين إلى حد القيح، متورمين إلى حد الانفجار. ولكن ومع كل هذا التهور والتضور والتفجر والتخثر والتبعثر والتعثر، فإن لحراس الكلمة أجراس الوطن، لابد وأن يكونوا عند الخطوة الأولى لأقدام الأمل، لابد وأن يطرقوا الأبواب ويعلقوا الأجراس لأن الأمة في خطر وأن الانتماء الطائفي والشوفيني لابد وأن يجد حداً لنزيفه القاتل، لابد وأن نصحو جميعاً ونتوحد حول الهوية والتي هي سمتنا وقيمتنا، قامتنا وقوامنا وقيامنا. لابد وأن نعي أن كل مسيلمة كذاب وكل عبدالله بن سبأ وعبدالله بن ميمون القداح، هؤلاء اختطفوا الطائرة الوطنية للأوطان ليذهبوا بعيداً نحو غايات السواد القاتم والأعظم، ليذهبوا نحو الوهم والغم والسقم ليحققوا أطماعاً ذاتية وهمية على حساب الهوية وعلى حساب سعادة الإنسان وأمنه.
ليس اتحادات الكُتّاب ولا جمعيات الصحفيين ولا المتخصصين فقط يهمهم أمر الهوية فهي الهواء والماء تهم كل كائن حي يمشي على أرض البسيطة، الإنسان وفي أي موقع كان عليه واجب الدفاع عن هذا القاسم المشترك، والتضحية من أجله ومجابهة الكذب والافتراء والهراء الفكري، لأنه لا فكرة ولا حقيقة غير حقيقة الهوية الوطنية السالمة من خدوش الأدعياء ونعوش الدخلاء. الهوية وحدها العنوان والصولجان والبستان والأغصان والقلب والروح والوجدان.


Uae88999@gmail.com