يحسم الحب كما تحسم الكراهية مواقف قد تكون على حافة الموت والحياة، إلا أن فرص التسامح ونوافذ الصفح وثقوب المودة قد لا توفر نفسها لمن ضاق عقله وضاع منطق الإنسانية في حقول سلبياته. تعلمنا في مدارس والدينا وأهلنا وأصحاب بيوتنا ومن قيم المجتمع ومن الدين الحنيف، ومن مناهج التعليم في مرحلته البلاتينية كل ما جعلنا نفكر خارج صناديق المألوف. اليوم ينظر البعض إلى أن وقاحة الطفل وردوده اللاذعة على أنها سرعة بديهة، بلاغة واستعداد جيد لمتطلبات المستقبل. ففي يومنا هذا يتفوه الطفل والمراهق بعباراتٍ لا أستطيع تكرارها، ويخاطب والديه وكأنهما ملزمان بتفاصيل سعادته من المهد إلى اللحد. في زمننا كما في كل زمانٍ ومكان يجب أن تبقى منظومة الاحترام، لاسيما الوالدين فوق كل الاعتبارات فهي أول علاقة ينشئها الطفل ليتعرف إلى محيطه، قيمه ورؤيته للعالم.
علينا أن نعلم الأبناء الفلسفة فهي تعمق الفكر وتنمي العقل للبحث عن مداخل ومخارج لما هو جدير بالإبداع والتميز. الفلسفة عماد العقل فبها يميز المرء الأمور ويزينها بموازين تمكنه من احتواء الآخر والبحث عن السلام في داخله والكون.
ويربط ذكاء الإنسان العاقل الفلسفة بالاحترام فهو يصمت في المجالس والمؤتمرات ليشحذ تفكيره، فيكسب المعارف، ويصقل مهارة «الذكاء الاجتماعي» الذي يجعل رأيه صائباً وسلوكه سوياً عندما ينطق.
تغيب الفلسفة من مدارسنا الآن، وكنت أحلم أن تكون هناك حصة العصف الذهني، يتحاور فيها الأطفال، فترقى معهم تفاصيل التفكير كمجموعة حتى يكونوا مبدعين من الصغر. الفلسفة هي مقياس للنظر فهي تحفز السؤال، وتداوي الفضول، وتوقد سراج المعرفة، لتتفاوت في عطائها العقول. العارفون والمثقفون والعلماء تكون دروبهم بعيدة عن الغوغاء، وما يتعارك عليه البعض في الحياة والعمل اليوم. مهمتهم في الحياة تنحصر في تنمية المجتمع والتعبير عن الإنسانية، هذه فلسفة آبائنا فهي تشمل السلام والتحية والاحترام والكرم والتحاور البناء، والتعاون لبناء الفكرة أو استحداث ما تُحسّنه تلك الفكرة به الحياة. كان أهلنا بدواً وكانوا من الحضر وبين هذه البيئة وتلك لا يدرسون المنهج الفكري الذي انتهجه الماجدي، أتسقي أشعاره وحكمته عقولنا وذاكرتنا بالسهل الممتنع أو منطق الربان جمعة الأملح عندما قرر الإبحار عبر المحيط الهندي ليعبر عن معرفته، وعن صلابة رجال الإمارات أمام البحر وأهواله أو فطنة رجال الشيخ زايد -طيب الله ثراه- ومنهم مبارك بن قران المنصوري الذي زرع المودة وأصالة الصحراء وشهامة البدوي، وقد تتلمذ على يده جيل من شباب المستقبل نفتخر به وبهم... وغير هؤلاء، الإمارات مليئة بالملهمين.
للعارفين أقول، علموا أولادكم الفلسفة والاحترام، فالعقل النير هو ذلك الذي يقف على أعتاب التاريخ، وقد أحدث فارقاً يلامس الحياة والحاضر والمستقبل.