مات الشاعر السوري محمود السيد، مؤخراً، تاركاً لنا مجموعة من الدواوين التي تتكلف بإحياء ذكره بعد موته، وقد لفتني ما أثير في الصحافة حول ما يشبه الصمت الإعلامي حيال موت الشاعر، لكنْ، لا أحسب أن ذلك عائد للشك بقيمته الشعرية، بمقدار ما هو خاضع لحساب العلاقات العامة وما يتصل منها بالصحافة والإعلام بشكل خاص. إذ ما كل ما يثير الضجيج بحقيقي، وما كل ما يسكت عنه بهامشي. لفتني من دواوين محمود السيد ديوان بعنوان “كتاب العشق” (عن دار أَلِف للكتابة الجديدة والنشر الفني دمشق بيروت) وهو يقوم على ثلاثة مقامات: مقام الحضور، مقام البحر ومقام العشق. والعشق مأخوذ لأول وهلة، برمزه الصوفي، فهو مجاز، يعزّز ذلك مفاتيح المقامات والأحوال التي استخدمها الشاعر في عباراته.. فهو يطلق على محمل عمله الشعري اسم “إشراقية” ويتكئ على ما قاله حلال الدين الرومي: “آه من العشق وحالاته”، وعلى بيتين من شعر مولانا جلال الدين، يقول فيهما: “وأي الأرض تخلو منكَ حتّى تعالوا يطلبونك في السماءِ تراهم ينظرون إليك جهراً وهم لا يبصرون من العماءِ” لكنّ غلاف الديوان، وبعض متكآته ومفاتيحه، لم تكن كافية، لدى التدقيق في قصائده ومضامينها، لتجعل من الكتاب كتاباً في العشق الصوفي. إن هذه القصائد تشدّ بالشعر إلى مكانٍ آخر، رومانسي وطني (أي هو خليط من السياسة والوجدان، حيث يغلب المعنى السياسي للوطن، على المعنى الرمز له (كوطن للروح مثلاً...). فأول جملة في الديوان “إذبحيني يا بلادي” تليها كلمة “أحرقيني” (أحرقيني بدمي) لينتهي المعنى بالفداء (على مذبح البلاد). فالمعنى مكشوف ولا يحتمل أسراراً. قصائد الديوان قصائد مختصرة وأناشيد متألمة، والألم بدوره “وطني”... “كلنا المعنّي في وطن يهان”... “وطن تمزق بين قتل أو حصار”.. إلى ما هنالك من شواهد. ولابد من الإشارة، في معجم الشاعر، إلى تعويله على مفردة “الدم” للإشارة من خلالها الى دموية الالتحام بالوطن وبالعناصر، ومن ثَمّ إلى القيامة والانبعاث. “لكمو دمي وطن وجرحي قافلة لكمو على جسدي وفي جسدي الطريق يهديكمو فيه البريق ولكن تقولُ الجلجلة هو بالفداء خلاصكم يأتي الفداء بزلزلة” إذن، ثمة انزياح لدى السيد في مقام العشق إلى مقام الوطن. وهذا الانزياح، في نظري، أضعف الشعر ولم يضف للشعر الوطني والسياسي المتداول إضافة.