أن تجري في عروقك دماء الهنود الحمر معناه أنْ لا خيار قدّامك لأنك حُمِّلتَ الأمانة، حُمِّلت ذاكرة مأهولة بالدم والدموع، بالحروب والملاحم والبطولات والانكسارات. ومعناه أيضا أنك إنما تعيش لتشهد الدنيا على هول ما جرى. هذه الرغبة في الإشهاد لدى الكاتبة ذات الأصول الهندية من جهة الأم كارن لويز إردريش أعلنت عن نفسها في جميع نصوصها الروائية والشعرية وفي ما كتبته من قصص للأطفال. تعدّ كارن لويز إردريش أهم روائية ذات أصول هندية. وقد نشرت العديد من الروايات منها مثلا “الحب الساحر” و”الغصن المكسور” و”الغابة المعلّقة” و”التاج الضائع” و”الذي افترس قلوبنا”. والراجح أن إردريش قد نذرت كل أعمالها للتغلل داخل أشدّ المناطق عتمة في النفس البشرية، تلك المناطق التي تجعل من الإنسان كائنا هشّا إلى حدّ التلاشي والامّحاء، لكنه من هشاشته تلك يستلّ ما به يصنع عظمته ويستمدّ قوته كي تصبح الحياة قابلة للتحمّل، ويصبح للبقاء تحت الشمس معنى وجوديا يمدّ المنزلة البشرية نفسها بالمعنى. على هذا التصوّر جريان رواية “الذي افترس قلوبنا”. البطل في هذه الرواية طبلٌ عثرت عليه الراوية بين مجموعة من الأمتعة التي اختلست من الهنود الحمر في القرن التاسع عشر. هذا الطبل يمتلك قدرات سحرية خارقة. تصبح الكتابة تأريخا لهذا الطبل وزمنه فنكتشف أن صانعه هندي يدعى شوانو. كان شوانو قد عاش في الأزمنة الخوالي مأساة مروّعة إذ مزقت الذئاب على مرأى ومسمع منه حفيدته الطفلة. وكي لا يهلك حزنا أو ينتحر صار شبح الطفلة يزوره في الحلم ويعطيه تعليمات حول كيفية صنع الطبل ويمدّه بالمواد التي سيصنعه منها. وحالما فرغ منه صار صوت الطفلة يأتيه ملائكيا ناعما آخّاذا كلما قرع على الطبل كي يمكّنه من الاستمرار كل يوم يوما آخر. إن تلخيص الرواية على هذا النحو يعصف بها عصفا. ذلك أن النص مخترق من الداخل بالتأملات الفلسفية والتحاليل النفسية التي تنفذ إلى أشدّ المناطق عتمة في النفس البشرية. أما الأسلوب فإنه يحاكي لحظات التمزّق القصوى. فترد الجمل قصيرة متتالية تحاول أن تقول ما يدرك بالحال لا بالمقال. نقرأ مثلا: “الحياة ستحطّمك. لا أحد بإمكانه أن يحميك، أما أنْ تعيش وحيدا متباعدا عن الناس فإن ذلك لن يجديك نفعا لأن العزلة بقسوتها، تدميرا ستدمرك هي الأخرى. عليك بالحبّ بلسما. يجب أن تحسّ وتشعر فمن أجل ذلك أنت تحت الشمس تعيش. إنك في عالم الأحياء كي تضع قلبك على كفّ عفريت. إنك هنا كي تغرق حتى القاع. وعندما يصبح دمارك واقعا متحققا. عندما تُحطّم، وتُغدر وتُترك وحيدا مكلوما، عندما الموت يلامسك، امنح نفسك فرصة الجلوس تحت شجرة تفاح واصغ إلى التفاح يسّاقط حثيثا حواليك مهدرا مذاقه الحلو. وقل في نفسك لقد تذوّقت منه ما أمكنني أن أتذوّق”.