يقول جاكوب روتشيلد، وهو أحد المساهمين في تأسيس إسرائيل، وسليل أسرة روتشيلد المؤثرة سياسياً واقتصادياً على مستوى العالم: «سنجعلهم يسرقون أموال بلدانهم، ليودعوها في بنوكنا، ثم نعيد إقراض شعوبهم من أموالهم، والأمر لا يقتضي إلا وزير مال من جنودنا».
هذا هو حال بعض البلدان العربية والأفريقية وبلدان أميركا اللاتينية، وحال كل البلدان المتخلفة في العالم، حيث يستشري الفساد في كل مفاصل الدولة، يقود هذا الفساد أعلى الهرم السياسي، ويسمح به لكل الموالين والمنتفعين وأعضاء الحزب، والقيادة القومية حتى يصل إلى النخاع، القضاء والجيش والشرطة، لينطبق المثل على حال هكذا بلدان؛ «حاميها حراميها»، وما دام «الحامي حرامي»، فيتوقع منه أن يبيع البلد ويضحي بالولد، ويمكن العدو من قداسة الوطن، فما لا يقدر عليه العدو في الحرب، قد يسهله الفاسد في السلم، فالقلاع الحصينة لا خوف من جدرانها، بقدر الخوف من أعوانها.
ولعل العراق أكبر شاهد على ما جرى بعد انهيار الدولة وتسريح الجيش وغياب سلطة القانون، فظهر المرتزقة من كل مكان، وعاثوا في كل مكان، ومكّنوا العمائم أن تتسيد الخطاب، وضمنوا لها الولاء والموالاة، وغدت مرجعية لكل ما في الوطن، وحال لبنان يكاد يكون أسوأ، فداخل تلك الدولة دولة خارجية أكبر، تسللت في غفلة من العرب، وعدم مبالاة منهم حتى أصبحت الأمور مكلفة للغاية، ومتشابكة إلى أقصى حد، فحين تكون القوة ليست لجيش الوطن تختل الموازين، وتظهر حسابات جديدة، الوطن في آخرها، فكبرت العمائم في بلد كان يعيش التناغم والتنوع اللوني حتى طغى اللون الأسود والأصفر، وغيّب كل الألوان الأخرى، واعتدى على خصوصية التعددية في المجتمع اللبناني، وسيطر على موانئ البلد الداخل لها والخارج منها، بعدها جاء دور اليمن خاصرة الجزيرة العربية، فظهرت عمائم تدعي الولاء، وتخالف الانتماء، ومن ثم تغلغلت العمائم في الساحة الأفريقية البكر والمتعطشة لكل شيء، ما عدا بناء المساجد الذي تفنن العرب فيه، فكان بثمن مسجد وزخرفته وإنارته، يمكن أن تُبنى مدرسة ومستشفى وحفر آبار كثيرة، وتوفير غذاء متكامل، وملابس واقية من تقلبات الطقس، لآلاف الفقراء من الأفارقة الذين كانت اللقمة والحقنة وتعلم الحرف أولى من سجاد تطؤه أقدام حافية، متشققة من الرمضاء، الأمر الذي نجحت فيه العمائم، وسربت من خلاله أيديولوجيتها حتى غدت لها ميليشيات شعبية رهن الطلب، ويمكن أن تنفذ مهماتها أين ما استدعت «العقيدة» واحتاج المذهب!
اليوم هناك بوادر هزائم للعمائم أينما كانوا، وبمختلف ألوانها، لأن فعل أصحابها الشرير، وأوامرهم بفعل الخراب في بلدان غيرهم، كما فعلوا في بلدانهم أمر بلغ حد حبل الوريد، حد الحياة أو الموت.