لا غرابة أن تصبح الشارقة العاصمة العالمية للكتاب وهي تحتضن واحداً من أكبر معارض الكتب في العالم وأكثرها تأثيراً في المنطقة. ويستطيع الزائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب هذه الأيام، أن يلمس قوة الثقافة باعتبارها المحرّك الأكبر للوجدان والعقل. ومن خلال البرنامج الفكري المصاحب للمعرض، تتجلى الأسماء الأدبية الكبيرة التي جاءت لتقول كلمة الأمل بالمستقبل في وقت تتراجع فيه الثقافة في أماكن عدة من وطننا العربي الكبير، حيث ترتفع أصوات التخلّف والرجعية والانطواء على الذات. ويمثل هذا المعرض مركز الثقل في مشروع الشارقة الثقافي التنويري الكبير. وفي كل عام، حين يفتتحُ صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هذا المعرض، نلمح أفقاً جديداً ينفتح في سماء الثقافة والمعرفة. ليس فقط بسبب ضخامة المعرض ودور النشر المشاركة وإقبال الجمهور الغفير عليه، وإنما أيضاً في المئات من الفعاليات والبرامج النوعية المصاحبة التي تهتم بالصغار والكبار والأسرة والفكر والأدب والفلسفة والعلوم بحيث ينهل الجميع، عرباً وأجانب، من هذا النهر الدُّفَاق بالنور الذي رعاه سلطان القاسمي وظل يغذيه من ماء قلبه حتى أصبح في هذه الصورة الناصعة.
كبرنا مع معرض الشارقة، وعاما بعد عام، رأينا كيف أصبح عرساً ثقافياً يفيض بالسخاء الفكري والمعرفي ويحتفي بالكلمة والصورة والإبداع. العشرات من المبدعين الإماراتيين الشباب، ينتظرون بشغف موعد هذا المعرض لطرح تجاربهم الجديدة في التأليف. كنا في الماضي نحصر إصداراتنا في عدد محدود ولأسماء بعينها، لكننا اليوم، وبفضل هذا المعرض، صرنا نراكم تجارب محلية في إصدار الكتب تتعدى المئات في شتى صنوف المعرفة، جلّها يتم طرحه في معرض الشارقة كون موعده يأتي في بداية الموسم الثقافي في الإمارات. شدّني أن أرى روايات بوليسية وكتباً أخرى لمؤلفين شباب تخوض في تطوير الذات والتسامح والإيجابية والإيمان بالمستقبل المشرق. وشدّني أكثر البرنامج الفكري الموجه للأطفال حيث العشرات من الفعاليات تقام في الساعة نفسها بما يتيح للطفل أن يختار من بين أبواب كثيرة كلها تنمّي في وجدانه حب الكتاب والكلمة.
يهتم المعرض بالمستقبل، حيث تدور نقاشات وجلسات يومية حول قصص الإنستغرام، وأعمال الروبوتات، وتحليلات جوجل، وغيرها من المفردات التي فرضت نفسها على النمط التقليدي في الكتابة وصارت تمثل تحدياً لأدب المستقبل.
يتجدد معرض الشارقة الدولي للكتاب في كل عام، ونحن أمام كل هذا الجمال، نتجدد معه أيضاً.