«بواب العمارة» مهنة لم نعرفها عن قرب نحن من اعتدنا السكن في بيوت بسيطة متفرقة لا حارس لها، وإنما عرفناه من خلال الأفلام العربية التي كان دائماً هناك دور للبواب فيها، فهو حامي العمارة وحارسها الأكثر معرفة بتفاصيل كل سكانها، وفي أغلب الأحيان الممسك بأسرارهم! ويبدو هذا غريباً كون هذه المهنة لا شروط علمية أو عملية لها، وغالباً ما يبدأ صاحبها بسيطاً جداً ومغلوباً على أمره منفذاً لطلباتهم مهما بدت مُجهدة، غير أنه ومع الوقت تتضخم مهامه التي يحصل من خلالها على سلطات، ليتحول فجأة من حارس لمدخل بناية وحامٍ لها من تطفلات من هم خارجها، إلى قابض على أنفاس من هم داخلها! المثير في الموضوع هو التحول في سيكلوجية هذه الشخصية التي أتتها السلطة على نحو غير متوقع وبلا استحقاق، وهو ما يجعلها تتصرف بصلف ونزق وعجرفة في كثير من الأحيان، كأن يمنع دخول ضيوف لأحد سكان العمارة إلا بعد التحقيق معهم، أو أن يقدم معلومات لمن يدفع له عن أحد سكان البناية، أو أن يزعج أحد السكان بتعطيل بعض الخدمات عليه كالتخلص من النفايات أو تعطيل المصاعد أو غيرها من الحاجات الخدمية التي يعلمها تماماً قاطنو تلك المباني. في «البيه البواب» - أحد أهم الأفلام العربية التي أنتجت في ثمانينيات القرن الماضي- قدم بطل العمل الراحل «أحمد زكي» نموذجاً للتحول السيكولوجي الذي يصاب به البواب وكيفية استغلاله ظروف العمارة وسكانها لتحقيق مصالحه الخاصة ليصبح فيما بعد «البيه» بمعنى «السيد» ذي النفوذ الكبير الذي لا رادع له. في نظريتي «حارس العمارة»، وهي إحدى النظريات التي جمعتها من خلال تجاربي المختلفة في الحياة، والتي استخدمها عادة لتحليل بعض الأمور والسلوكيات العصية على الاستيعاب، والتنبؤ بما ستؤول إليه فيما بعد، تفسير لكل التصرفات غير المنطقية التي يأتي بها بعض الفارغين ممن لا عمل حقيقياً لهم، غير أنهم متضخمون جداً، فتجدهم يتشبثون بأي أمر مهما بدا صغيراً «تافهاً» ليفرضوا من خلاله قوانينهم المخترعة للتضييق على الآخرين، ليس لغرض سوى استجلاب الاهتمام لذواتهم وتحقيق منافع أحياناً تكون مادية، ولكنها غالباً معنوية ليتلذذوا بحاجة الآخرين إليهم واستعدادهم لاسترضائهم، وهو ما يفعله سكان العمارة المساكين لتسيير أمورهم.. وهنا يكمن كل الشر!