يدخل الفرد في الحياة بضمير جمعي، منشؤه المفاهيم القيمية التي يتلقاها من المجتمع، بدءاً من الوالدين، ثم المؤسسات الدينية والثقافية والمدرسية، ويقوم هذا الضمير على مرتكزات، أهمها التوافق مع المجتمع بما يَصْب لمصلحة الجميع، ويخدم أغراض المجتمع، ويعمل على نشر الاستقرار الاجتماعي والطمأنينة في النفس.
ومن خلال هذا التلقي المباشر من سلطة المجتمع يجد الفرد مكانه في المجموع كواحد في الكل، وتمضي السفينة بأمان دون أن تعرقلها موجة، أو تعيقها عاصفة، ولكن بعد مسيرة طويلة في عرض البحر، يبدأ بعض الأفراد في التفكير الفردي، والذي يسميه الفلاسفة الضمير الشخصي، وهو ضمير ذاتي، يستمد مفاهيمه من الحدس الشخصي، الذي يطلق عليه بالضمير.
ولكن هذا الضمير بما لديه من قدسية ذاتية، وجمالية متفردة، فإنه يقع في هوة الأنا، حيث يجد المرء نفسه كياناً مستقلاً في مقابل المجتمع، ومن هنا ينشأ التضاد المريع، والذي يؤدي إلى تورم ذاتي في مقابل تفكك في النسيج الاجتماعي.
فالفكر المستقل مع تطور الأنا، وتوهماتها يتحول إلى ورم في الجسد الاجتماعي، يضر بتكوينه، ويسيء إلى ثوابته، ويحطم محتوياته الفكرية، ويحدث هذا الآن، عندما يفكر بعض الأفراد بالانزياح عن المجموع، واتخاذ موقف فردي مغاير عن موقف المجموع، تحت ذريعة الإصلاح أو الحرية الفردية، فهذه الحرية عندما تصبح بقعة سوداء في الثوب، فإنها تشوهه، وتسيء إلى شكله العام، فيضطر صاحبه إلى التخلص منه، لأنه لا يتماشى مع الذوق العام.
هناك أفراد، وهناك جماعات، انحرفت نحو الحدس الشخصي، وهو ليس إلا خداع الأنا عندما يريد أن يصنع إمبراطوريته الخاصة، هؤلاء ضاعوا في غابة الأنا، وضيعوا بوصلة الكل، وأصبح الواقع جمرات، تحترق وسط لهيبها أشجار القيم الاجتماعية، نجد ذلك في اليمن عندما فكر الحوثي أن يختطف الوطن، ويسعى إلى إذابته في نار الطائفية، وكذلك فعل حزب الله في لبنان، وأيضاً أحزاب المحاصصة في العراق، وغيرها من الأفكار السوداوية في الوطن العربي والعالم.
الضمير الشخصي ينمو بصحة وعافية عندما ينشأ من خلال قيم لا تشوبها نزعات الأنا، وعندما لا تختلط فيها ألوان الزيف، والبطولات الوهمية، والنفايات التاريخية.
الضمير الشخصي، يكون جميلاً ونبيلاً، عندما تصب مياهه النقية في محيط المجتمع، وعندما يكون أمان الوطن وقوته هما الهاجس الذي يحرك فيه النوازع، والأحلام.