لم تكن آليس زينيتار قد تخطّت الرابعة عشرة من عمرها حين نشرت روايتها الأولى واختارت لها عنوان “إثنان إلا واحد يساوي صفر”. فلمع اسمها في عالم الرواية. الراوي والشخصيات في هذه الرواية يواجهون العالم ومشاكله بعيون أطفال، يواجهونه بالسؤال لأن الطفولة إنما هي إقامة في السؤال بغية استكشاف العالم وتهجّي تعقيداته. نقرأ مثلا هذا الحوار الذي يدور بين طفلين: “الظلام مخيّم. انطلق صوتٌ، صوتُ تنفّسٍ، صوت طفل يتألم: أشعر بألم. تنهدت وقالت أنا أيضا يا موري. ساد الصمت برهة ثم سمع الصوت قائلا: يا إيتان. لا إجابة. لماذا لونهم أحمر هكذا. لأنهم ينزفون. يُسمع صوت لحاف. يا إيتان لماذا كفوا عن الحركة؟ لأنهم ماتوا. كفت عن الكلام وتنفست عميقا فيما هي تقولها ها أنني أغمض عينيّ”. آليس زينتار متحدرة من أم فرنسية وأب جزائري. والراجح أن هذا الأصل المزدوج هو الذي جعلها تهتمّ بقضايا القادمين من الجنوب. وهذا هو موضوع روايتها الثانية “حتى بين أحضاننا” التي نشرتها هذه الأيام وهي لم تتخطّ بعد الثالثة والعشرين من عمرها. حظيت الرواية بإعجاب النقاد في فرنسا ونالت صاحبتها الجائزة الأولى التي تمنحها مؤسسة جائزة الباب الذهبي الأدبية. تحدث آليس زينيتار عن روايتها الجديدة هكذا: “لقد بدأ موضوع الرواية يتبلور في ذهني بدءا بسنة 2009. كنت وقتها في هنغاريا أدرّس اللغة الفرنسية. لم أكن أسمع اللغة الفرنسية إلا عبر قناة فرنسا الإخبارية. كانت أغلب الأخبار تتناول قضية إبعاد المهاجرين غير الشرعيين، وتتناول قضية الزواج الوهمي الذي يتمّ بين بعض الفرنسيات وبعض هؤلاء المهاجرين درءا لخطر الإبعاد. استفظعت الطريقة التي كان رجال المخابرات يداهمون بها البيوت للتثبّت من أن الزيجة قد تمت فعلا. لقد كانوا ينتهكون كرامة الناس. هكذا لمعت في ذهني الفكرة”. والناظر في رواية “حتى بين أحضاننا” يلاحظ فعلا أن هذا هو الموضوع الأساس الذي عليه جريانها. فالراوية تقرّر أن تتزوّج، زواجا وهميا “أبيض” كي تتمكّن من مدّ يد العون إلى صديق طفولتها القادم من مالي حتى يتمكّن من البقاء في فرنسا وينجو من جحيم الجنوب، من أفريقيا الحروب، أفريقيا التسلّط العسكري المروّع، أفريقيا المجاعات والويلات، أفريقيا التي تهلك قدام العالم، وبمساعدة منه تمضي قدما إلى خرابها ونكد ناسها. تنفتح الرواية على أبعاد عديدة وتصبح تأريخا لمأساة الأجيال الجديدة التي ولدت بعد سقوط الأيديولوجيات وتهاوي الأحلام بتحقيق العدالة بين الشعوب. وهي أجيال تعيش اليوم بلا أمل في العودة إلى البحث عن الخلاص الجماعي. فأيّام سيادة الأيديولوجيات كان الناس يحلمون، ولو واهمين، بضرورة تحقيق الخلاص الجماعي. أما اليوم فوحده البحث عن الخلاص الفردي صار السيد. تنفتح الرواية لتصبح خطاب إدانة للساسة والسياسيين وللسلطة السياسية باعتبارها مقولة مضرّجٌ تاريخها بالدم والدياجير وويلات أخرى.