‏لاحظت فجأة توقفي عن حمل قلم أثناء قراءتي للكتب، بينما كان هذا الفعل سابقاً من مستلزمات أي قراءة مهما كان نوعها، وكأن عقلي لا يكتمل حضوره واستيعابه إلا بقلم في يدي. لم أعد أذكر متى تخليت عن هذه العادة اللصيقة ولماذا. أما أسباب تعلقي بها، فتعود لجديتي المفرطة في التعامل مع أي عمل مكتوب، ورغبة في الاحتفاظ بكل معلومة ومفردة جديدة في خانة الاستذكار؛ وكأني سأعود وأسترجعها من جديد في امتحان قريب. لعلها «فوبيا» الدراسة التي مازالت ترافقني. ورغم ثقل هذه العادة إلا أنها أفادتني كثيراً على صعد مختلفة، ولهذا حرصت عليها. صحيح أن بعض القراءات كانت لا تستحق أن أحمل قلماً لتسجيل ملاحظة أو تثبيت خط تحت جملة مهمة ولكنه الطقس الذي جعل العادة لا تكتمل إلا به.
مؤخراً وبلا أي قصد، لم أعد للقلم لا للتعليق ولا للإشارة ولا لأي شيء -سوى لمراجعاتي لأوراق العمل- ولم أنتبه لذلك إلا قبل توجهي لكتابة هذه السطور التي قررت أن أوجهها لمحاولة تفسير تعاملنا مع بعض سلوكياتنا التي تغادرنا. لعلنا ننتبه لأهمية أن لا نجعل الأشياء والتغيرات تمر بهدوء وكأنها لم تكن! لأن ذلك حسب رأيي بداية سريعة للنهايات، وهو أمر في كل الأحوال محزن؛ فما كنت أفعله سابقاً وأنا في غاية الاستمتاع، أجدني لا أعير له بالاً، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة تفاصيله الخاصة داخل نفوسنا وحولها، لنتأكد من جدية بعض الغايات وعبثية غيرها. البحث عن طاقة جديدة لبث النور في بعض الزوايا التي بدأت في الخفوت، ورتق بعض مواطن الفراغ، ولمداواة بعض الجروح التي تجاهلناها اعتقاداً منا أنها ستشفى وحدها!
عندما نتغيب طوعاً عن بعض طقوسنا في عاداتنا بكل ما فيها من جمال أو غباء، علينا أن ننتبه ونتوقف لنسأل لماذا حدث ذلك؟ لماذا لم يعد لها النبرة نفسها والوقع ذاته، لماذا لم تعد تصر علينا كما كانت تفعل! ما الذي تغير ولماذا؟.. تكرار لماذا قد يطرح إجابات مفيدة، ليس لإعادة السلوك أو العادة بشكلها السابق، بل بالعودة إلى نقطة الرغبة والتمسك بشيء كان يلزمك، بشيء لم تكتمل الأشياء إلا به، حتى وإن توقف الدور الذي كان يؤديه، ولكنّ بقاءه يبدو مهماً لكي لا نفقد بعد فترة حتى عاداتنا.