يقول نيتشه: «أقيس قوة العقل بمقدرته على تحمل الحقيقة»، وعلى ضوء الصدق كتبت منى عبيد، مذكراتها من خلال كتابها مذكرات موظفة، وقبل بداياتها الوظيفية، كتبت عن البحث عن العمل المقرون بالرفض والألم، وثقافة المؤسسات والوظائف، ومعاناة الباحث عن العمل سواء النفسية أو الاجتماعية.
كتاب يستحق القراءة، كون الكاتبة تهدف لنقل تجربتها الشخصية من معاناة شديدة، وكيفية تجاوزها نحو النجاح والتميز، فكثير مَن كتب مذكراته في هذا السياق، ومنهم مشاهير عالميون.
ما يلفت الانتباه شفافيتها التامة، وكأنها كتاب مفتوح، تقرأ تفاصيله دون مواربة أو تصنع. تتحدث في البدء عن أسرتها الصغيرة، كما لو تمهد للقارئ من هي، وكيف شرعت نحو العمل مبكراً، وتؤكد للقراء أنهم جزء من هذه المنظومة التي تتشابه في القصص والمواقف، فكل من يتقدم للعمل يمر بطبيعة هذا النسيج من ثقافة المجتمع.
أرادت الكاتبة منى، أن تبرز بعضاً من التفاصيل الصغيرة، تفاصيل لاشك أنها جميلة، حين تسعى والدتها لتقف معها وتساندها، إشارة للأسرة المتضامنة في المواقف الصعبة، فهي تستأجر سيارة، للذهاب مع ابنتها من العين إلى أبوظبي، بحثاً معها عن وظيفة، فما أجملها من أم! فهي قريبة كل القرب من ابنتها.
قطف ثمار الوظيفة لا يعني أن القصص قد تبددت، بل ثمة سياق آخر يحمله لنا الكتاب؛ فلا وظيفة دون تحد تتجدد فيه دماء الروح، فلا تنكمش المفاجآت ولا الأرق الإداري ينأى بعيداً. إنها ثقافات مختلفة المستويات؛ فالكتاب يسرد القصص، ويعالج الجزئيات في أطوارها المتجددة، يتحدث عن المعاناة الوظيفية، والقلق والنجاح والفشل، والكاتبة تستعين بالمواقف الغريبة وإفرازات الوظيفة الإدارية، فالتعامل مع أطياف من البشر في آن واحد وتحت سقف واحد يستدعي الخوض في حقائق مؤلمة، تؤول فيما بعد نحو النجاحات المثمرة، فالكاتبة تبدأ بتجاربها الصعبة ثم تنتهي بالتجارب القيمة.
ليس كل إنسان قادراً على ترجمة قصصه الذاتية، ترجمة كتابية تضاف إلى المكتبات، وليس كل إنسان قادراً على كشف الذات، من خلال محض دلالات واستنتاجات لفهم بيئة الحياة، ولكل ثقافة معطيات بعينها، منها ثقافات العمل والشارع وثقافة البيت، وبهذا قدمت الكاتبة عصارة تجاربها، وما لديها من تجارب في جوهر الحياة ألا وهو العمل، ثقافة مهمة يستند إليها الإنسان سنوات وساعات يومية، وكثيراً ما يتكلم فيها الناس بينهم، لكن قليل ما كتب ليتبصَّر به الناس، كون ذلك يتعلق بالأحلام العريضة، وبالنجاحات التي ترتبط بالعلاقات البشرية الواسعة، هذه العلاقات التي منها تنطلق المجتمعات بثقافتها نحو التجديد.