البعض من الناس حينما يسافر إلى مكان، يظل يتعب نفسه، ويشق عليها، ويمضي كل اليوم في التجوال، لا يترك مكاناً إلا ويحج إليه، وكأنه ملزم بأن يفعل ذلك، لأنه يريد أن يظهر قيمة التذكرة التي سافر بها، مثلما هناك بعض الناس إذا ما حجز على درجة رجال الأعمال أو الدرجة الأولى يظل يتأمر على المضيفات: هاتِ كأس ماء فاتراً، ومياهاً غازية، رغم أنه لا يستسيغهما، أريد أن أنام ساعة وربع الساعة، من فضلك لا أريد إزعاجاً، وأريد أن توقظيني مع فنجان قهوة منزوعة «الكافيين» مع حليب لوز، ويطلب أكلاً لا يعرفه، وحين يأتون له بـ«سوشي رير» يعافه، ويخليه في مكانه، ويظل يدوّر على أسباب هذا الشراب المحمض، وهو أقرب إلى الخل، ويخلط من «الكوكتيلات الفيرجن» -على حد قوله- وبعد كل هذا يظل يتشكى ويقارن بين خدمة شركات الطيران، ويختمها بالتلميح مع المضيفة التي طولها لا يأتي إلا بتوصيات خاصة، وليس هناك لعب بالجينات منذ دهور طويلة، ويليق بها صديق لاعب كرة قدم عالمي مثلاً أو ممثل قدير، لذا تكتفي بتلك الابتسامة التي لا تبين أسنانها، ولا تعني شيئاً غير: خلاص لا تشقي عمرك!
السفر متعته في الراحة، وأن تستسلم لنفسك وما تهوى، كن خفيفاً معها، ولا تجبرها على فعل يثقل عليها، ربما تريد النوم طويلاً، ربما هي بحاجة لفطور متأخر كسول، ربما تريدك أن تجلس على مقعد خشبي في حديقة عامة، وتأمرك أن تصمت، وتحضك على قراءة وجوه المارة، جميل أن يكون غداؤك سلطة «نيسواز سان أونشواه» من دون أنشوجه، نفسك تقول لك: جسدك بحاجة إلى «حمام ساونا ومساج»، افعل ولا تتأخر، وإن كنت أقرب لمن هم طيور الليل، فاحجز عشاءك في مطعم فاخر مختار بعناية مع من تحب، يمكن أن تجلس في مقهى متوحداً مع فنجان قهوة وكتاب. يمكن أن تسير على هواك، تاركاً قدميك تسوقانك حيث الحياة، وطيب نعيمها، ثمة أشياء بسيطة غير أنها تفرح النفس، وتجعلها بعيدة عن ضجيج وتشنج وسرعة إيقاع أيام العمل العادية. في السفر لدي قناعة: لا تتعب نفسك، ولا تجعل أحداً يعكر عليك صفو رحلتك، احزم حقائب السفر دون أن تكدس فيها مشكلاتك، لا تجعل التفاصيل الصغيرة من المنغصات تسيطر على جمال يومك، ولا تظل تحسب أشياءك بـ«الدولار واليورو» ثم تحولها للدرهم، تراها مشقة، ومهارة لا تفيد أحداً، ابتعد عن المقارنة بين الأشياء والأسعار، وما في المدن المختلفة وبين مدينتك. تذكر أنك مسافر منذ أن ترمي دثار النوم، ثم اذهب في غيّك وغواياتك، ثمة أشياء تشتهى، وثمة أشياء تفتدى، وتذكر أيضاً أنك تستحق الكثير والجميل، لذا دع الأمور تتداعى أو تتساوى، المهم ألا تخسر نفسك، ولا تجعل أحداً ينال من نفسك.. وغداً نكمل.