ما فعلت بي سمرقند
سمرقند رواية يجب أن تقرأ فعلاً، للروائي أمين معلوف، الذي يشحذ كل قدراته الإبداعية على قراءة الحدث التاريخي لتطويع التاريخ بالشكل الذي يقود الفكرة حتى نهاية مقصدها، بشكل لا يقاوم، وفي سمرقند تبارى معلوف مع نفسه ومع التاريخ، لجعل مخطوط ضاع في أعماق الأطلسي مع غرق السفينة “تايتانك” بطلاً رئيساً للنص، ومن الشاعر المختلف عليه عمر إبراهيم الخيام بطلاً موازياً، يتنقل عبر الزمان بشكل واضح وغير مرئي في الوقت نفسه .
سمرقند تطرح في الجانب المباشر منها حياة الشاعر والفلكي والفيلسوف عمر الخيام منذ صباه وحتى وفاته، وكيف تنقل عبر الجغرافيا الصعبة في تلك الفترة من قرون النزاعات أيام ظهور دولة السلاجقة وظهور فرقة الحشاشين على يد حسن الصباح، وكيف بدا الخيام في عمق الأحداث يقاربها حتى يكاد يصنعها ويتحاشاها حتى ليبدو كمن يخطط لقيتها او حرف مسارها حتى قيل بأنه وحسن الصباح وملك السلاجقة نظام الملك كانوا الثلاثة الأكثر تأثيراً في مجريات ألف عام تلت بعد رحيلهم.
الرواية قسمت إلى مسارات عدة بحسب الأحداث، وتطورات علاقة بطل (الخيام) بكل خيوط السياسة وبلاطات الملوك في تلك الحقبة، إضافة إلى ضلوعه أو على الأقل اقترابه من بعض مؤامرات تلك البلاطات، إلا أن مسار الحب في الرواية كان شديد الوضوح والألق. فالخيام يتنفس الحب في كل حركته، وهو قد وهب من الفطنة والذكاء والجمال - كما وصفه قاضي سمرقند حين قبض عليه الغوغاء في السوق واقتادوه إليه - ما جعل الخيام محباً للحياة عاشقاً لها، فهو يحب الحياة، ويحب الفلك حتى يجعل أقصى أمانيهم امتلاك مرصد على ضفة نهر، وهو من اتباع اقتناص اللحظة وعدم التفكير في الماضي والمستقبل، كما جاء في رباعياته الشهيرة التي غنتها أم كلثوم:
لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان
في هذه الأيام وأنا أتمتع ببذخ الهدوء حيث أعيش في مكان منعزل بعيداً، اصطحبت معي سمرقند حباً في أمين معلوف، وكنت قد اقتنيت الرواية ضمن مجموعته الكاملة، وبدأت قراءتها فعلاً منذ سنوات لكنني تركتها لسبب لا أتذكره. اليوم ألوم نفسي كثيراً، كيف أنني تركت رواية كهذه مهملة على أرفف مكتبتي. إنها رائعة وكفى. الآن بعد قراءتها أتأملها من جميع الزوايا، وأعيد تدوير تلك الزوايا لأقرأ في الرواية جوانب كثيرة، ففيها من الحمولة السياسية ما يصلح تطبيقاً على واقع الحال العربي، وفيها من أمور الخلافات والفتن والكوارث والنزاعات ما تشعر وكأن معلوف يحكي واقعنا وليس واقع القرون المبكرة من تاريخ الدولة الإسلامية.
“لا تعجب لشيء، إن للحقيقة وجهين، وللناس أيضا”، هذه العبارة تأتي في سياق ما من سياقات الرواية لكنها استوقفتني كثيراً، وفسرت لي الكثير مما يدور ومما أرى.
سمرقند احتلتني كرواية بشكل جعلني اكتب عنها لأتخلص من إلحاحها.
عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com