ظاهرة عجيبة غريبة، أن يقف شاب عند ناصية أو طرف شارع، ثم يبدأ في تمزيق الكتاب الذي حمله ذات يوم وتأبطه، راجياً منه أن يفتح له صفحاته، بيسر ولا عسر،، ويضحك مجلجلاً حبوراً بما يفعله بخير جليس، فلا تجد في الأزقة والشوارع غير الأوراق المبعثرة، المتناثرة، كما هي الأحجار المتراكمة بعد زلزال. ظاهرة ربما تعبر عن ثقافة البعض في عدم الاهتمام وعدم الإحساس بالمسؤولية بقيمة هذا الورق الذي ينثره كالرماد، هذا الورق الذي صرفت لأجله البلاد ملايين الدراهم لتعليم الأبناء، ولتصلهم الكلمة واضحة وضوح الشمس، ولأجل أن ينالوا حقهم في التعليم، كما نصه الدستور، وكرسته قيم الإنسان في بلادنا. وربما تعبر عن مشاعر عدوانية بغيضة تعبر عن نفسها في تدمير الكتاب كونه المعبر عن اللسان والكلمة، وكونه مرتبطاً بسلطة المدرسة والقوانين الدراسية التي كثيراً ما يرفضها الطالب في سن الرعونة. قيم عدوانية تحتاج إلى ترويض وإلى تهذيب وإلى توعية بقيمة الأشياء وأهمية المحافظة عليها، كما لا بد من تدريب الطالب على التنفيس عن مشاعره الكامنة بصور حضارية لا تسيء له، ولا تلوث ثقافة البلد، ولا تضر بمقدرات وإمكانات. ظاهرة تمزيق الكتب تحتاج إلى دراسة معمقة وإلى استقصاء علمي لاستجلاء ما يكمن ويختفي في الوجدان الإنساني. وهذا واجب المختصين والدارسين في علم الاجتماع وعلم النفس، لأنه ما من ظاهرة إلا وتخفي وراءها أسباباً قد تكون اجتماعية أو ثقافية أو شخصية، فالبحث عن مثل هذه النوازع يفرز النتائج التي يحتاجها المجتمع والتي تمنع عنه مثل هذه التصرفات الشاذة.
فلو علم هؤلاء الشباب كم شقي الآباء، وكم تعبوا من أجل كسب اللقمة الحلال، بينما هم اليوم تأتيهم الأشياء جاهزة، معدة سلفاً من دون أن يبذلوا أي جهد أو تعب، فلا بد أن يعوا أهمية ما يفعلونه، وضرورة الانتباه إلى أن الجاهز يؤدي إلى لا مبالاة، والحل عند المختصين الذين نطالبهم أن يدرسوا هذه الظاهرة، ويقدموا النصائح لمن يهمه الأمر حتى يقطع دابر مثل هذه السلوكيات التي لا تتناسب مع بلد متحضر مثل الإمارات. لا بد من أن نتخلص من العقوبات المادية لكل فعل خطأ، ولا بد من التعامل مع الظواهر بأساليب علمية، عقلانية تفيد المجتمع وترفده بثقافة لا يخدشها شذوذ ولا يعكرها لدود. تمزيق الكتب ليس خسارة مادية فحسب، بل هو تعبير عن انحسار ثقافي وعن جزر في العلاقة ما بين الإنسان وما يملكه، وتأكيد على أن هناك مادة كيميائية تتحرك في ذهن الطالب تحتاج إلى ترتيب وتقنين، بحيث يتم تحويل الطاقة من عدوانية إلى طاقة حية، تمارس دوراً أخلاقياً لصالح الشخص والمجتمع.


marafea@emi.ae