حين ترى العراة يتسلقون الأشجار ناهبين ثمار الحرية قبل نضجها. وحين يحتلّ الجهلة منبر الحقيقة كاشفين عن عورة في اللسان لا يسترها حتى الصمت. وحين يُمنح الحاقد مفاتيح العدالة بين الناس بعد أن عاش ستين عاماً في انتظار لحظة الانتقام. في تلك الساعة، تكون البلاد قد غصّت بماء الضجر، وصار لا ينفع سوى كيّ الجاهل في لسانه فلربما اعتدل، وربط العريان في الشمس مكشوفاً من كل الجهات، فلربما يستحي ويغطي غلّه وحقده بيديه. ولكن العريان لا يعرف معنى الحياء، لم يقدم له أحد تفاحة المعرفة لكي يفهم معنى الستر. من ظلام إلى ظلام كان يعبر في ممرات الضغينة، تتبعه الجرذان، وتصغي لفحيحه الخفافيش، موهوماً بأن الليل يمكن أن يطول إلى الأبد. لكن الشمس التي تناديها الوردة كل صباح، الشمس التي يرسمها الأطفال والشباب على جدران أحلامهم، تعود لتشرق من جهة الأمل. ولو اجتمع العراة جميعاً، لما استطاعوا حجب ذرة من نورها العظيم. شعلة الحرية المخطوفة من يد أصحابها تنطفئ سريعاً. تذبلُ وتموت حتى لو غذاها المجرمون بلحاهم الطويلة، وحقنوها بزيت الكذب والتزييف. ومن يريد الحرية يجدها أولاً في العقل، يربيها ويروي نبت خلودها من ماء قلبه، عاصراً الصدق حتى آخر قطرة، حافراً في الأرض إلى أن تتمزق عروق يده. ومن يزرع الصدق يجني الكرامة حتى لو طال انتظاره. حتى لو جاء سماسرة الليل، متخفين بالعباءة المقدّسة اللامعة، مندسّين بين الأحرار، وسرقوا حجر الحقيقة قبل أن تصير شجرة وارفة وينعم بظلها الجميع. هؤلاء المزيّفون، لو سرقوا الربيع بزهرِه وخنقوا فراشاته، تسقط أقنعتهم سريعة في الخريف، يذبل كلامهم ويجفّ قبل أن تتسع له الأذن. وإن وقف يوماً الجاهل والعريان والحاقد والمنتقم صفاً واحداً تحت قبّة الحوار، فساعتها يكون الكلام قد ماع، وتكون المعاني قد أعوجّت واسودّ وضوحها. أيها الشيطان، كيف ظهرت لهم وأنت عريان وصدقك الأميون قائلين: هذا ملاكنا الأحمر. كيف دخلت إليهم في المساجد وفي يدك منديل دم، وأنت توهمهم بتجفيف عرق الصبر من الجبين الذي سأم الشقاء. وحين دقّت الساعة، كنت قد اختفيت من بقعة الأمل المريض، ولم يجدوا مكانك غير قهقهة المراوغين حين يفرّون وفي فمهم غنيمة ميتة. أيها الشيطان، أيها العريان، مهما كسوكَ بالبطانة الفاسدة، ستظل تكشفك رائحة العفن. ومهما ألبسوك عباءة الحق، سوف يتسرّب الباطل من بين يديك ومن وجهك ولسانك وقلبك. كل الشياطين في التاريخ سيضحكون كثيراً عليك، لأنك لم تتعلم الدرس بعد، ولم تدرك أن شرارة من النور يمكن أن تهزم الظلام كله. وأن الحنق لا يخنق سوى صاحبه. وأن المشي، وأنت تزرع الشوك في كل شبر من أرضك، لن يمنع الوردة من التفتّح حين يأتي المطر، ومن عادة مطر الحرية أنه يكنس كل عريان، كل شيطان، ويرمي بهم في المزابل والوحل. خذيني أيتها الحرية سهماً رمحاً في قلب الظلام سأقول أحبك أيتها الأرض طارداً من شفتيّ كل خصام عادل خزام | akhozam@yahoo.com