عجيبة كرة القدم، ترفع حتى قمة المجد، وتقذف إلى الهاوية.. مزاجية في مرات كثيرة، نظن أننا من يلعب بها، لكن الحقيقة أنها من يلعب، تدور مثل «الروليت» قبل أن تستقر على جانب، ليس مهماً أن يكون الأحق، وليس ضرورياً أن يكون الأجدر، المهم أنها اختارت، وأحياناً توزع هداياها، لتبقينا على شغف بها، فليس منطقياً أن تظل إلى جانب واحد. خرج المنتخب الهولندي من كأس الأمم الأوروبية، ووصفته الصحافة في بلاده، بأنه كان «أضحوكة أوروبا»، بل ذهبت إحدى الصحف هناك «الجيمين داجبلاد» إلى أقصى درجات المرارة، فطالبت بتقييم صعب لما حدث مع «الطواحين»، لكنها اشترطت مع التقييم أن يكون هناك «سكين على الطاولة».. هكذا نحن دائماً، فلسنا وحدنا العرب العاطفيين، ومن يقيمون بالقطعة، أو من تهدم الخسارة كل مكتسباتهم، لكنهم أيضاً مثلنا، فللكرة منطقها حول العالم، وهو منطق يخرج من المدرجات ليس إلا، ولا يعرف ضبط النفس أو الدبلوماسية أو الصبر. منتخب هولندا، كان طرفاً في نهائي كأس العالم الأخيرة بجنوب أفريقيا أمام إسبانيا، وسبعة من لاعبيه كانوا معه هناك، شاركوا أيضاً في مأساة يورو 2012، هم: الحارس ستكلنبيرج، وفان دير فيل، ودي يونج، وروبن، وشنايدر، وفان بيرسي، وفان دير فارت، وعلى الرغم من ذلك، كان حصاده مريراً، فقد خسر ثلاث مباريات، وعاد دون أن يضع في جعبته نقطة واحدة، تاركاً خلفه أحزاناً امتدت حتى إلى المنافسين، ومن بينهم إسبانيا التي تشاءمت من هذا المصير، وتخشى أن يكون مصيرها كمصير وصيفها في المونديال. كثيرة هذه التبريرات التي ساقها المحللون والمفسرون، فهناك من قال إن اختيارات فان مارفيك مدرب الفريق كانت في غاية السوء، وعزا البعض ما حدث إلى الحالة المعنوية السيئة التي يعاني منها بعض نجوم هولندا قبل بدء البطولة على خلفية إخفاقاتهم مع أنديتهم المحلية، أو اختفاء فان بيرسي، والمشكلات الداخلية. وبخصوص روبن بالذات هناك من أكد أن معاناته من شبح الفشل في الفوز بدوري الأبطال مع البايرن، كان أمراً مفصلياً فيما حدث للطواحين، أما «ماركا» الإسبانية، والتي اهتمت بوصيف منتخب بلادها، فأكدت أن الضعف الواضح لخط الدفاع هو السبب الأقوى للعثرة الهولندية الكبرى، وأن هذا الضعف رافقها في مبارياتها الثلاث، ليجعل الطواحين عرضة للخطر الدائم من هجوم المنتخبات المنافسة، لا سيما الجبهة الدفاعية اليسرى. عموماً، تلك هي الكرة، وليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تواجهنا فيها بسيناريوهات، لا يتوقعها أروع المؤلفين والكتاب، ودائماً نتبارى في سرد أسباب الخسارة، مثلما نعدد أسباب النصر، وننسى أن الكرة أحياناً تريد، حتى لو كانت جماداً يتحرك، نقذفه يمنة ويسرة، أما كيف تفعل، فلأنها تتحالف مع الحظ، وتلبس ثوبه، تنحاز مرة لهذا وأخرى لذاك، حتى تبقى أملاً يداعب خيال الطامحين إلى منصات التتويج، وحتى لا يفقد الصغار أحلامهم في حضرة الكبار. كلمة أخيرة: روبن قال بعد الخروج: «لا نجرؤ على النظر إلى أنفسنا في المرآة».. ليت غيرهم يتعلمون mohamed.albade@admedia.ae