إذا اعتبرنا أن التفكير في الأشياء يبدأ من بيت المخيلة الذهنية، فإن الخيال الذي دخل مرحلة جديدة، ومغايرة لواقع سابق، قد رسم صورة مختلفة، بناء على معطيات جديدة حلَّت محل معطيات قديمة، وهذه المعطيات فرضت حلاً لمعضلة التوافق مع الواقع الجديد، وهو الحل الذي رفع من سقف الرغبات، ووسع من حدقة الطموحات وبات الإنسان الإماراتي اليوم، يظهر بالصورة المغايرة لصورة سابقة، وهي ليست مستغربة، ولا يجوز استهجانها، بقدر ما يجب تطويرها، والبناء عليها، بأدوات جديدة تكسبها وعياً نفسياً يتناسب مع المثيرات المتاحة، حتى لا تغرق سفينة العقل في لجج قد تبدو سهلة، ولكنها في نهاية المطاف سوف تفني معطيات سابقة لها من الأهمية ما يجعلها إن اختفت سوف تخفي معها هوية اجتماعية بكاملها.
القفز من مرحلة إلى أخرى، أشبه بالقفز على الحبال، عندما يقوم المتدرب بقفزة واحدة لمسافة أمتار في التجربة الأولى، فإنه لا بد وأن تحدث المفاجأة، وهي حدوث كسر في أحد ساقي القافز، وكذلك يحدث في حالة مماثلة حين يقوم أفراد المجتمع، بالقفز من مرحلة إلى أخرى، بقوة وسرعة من دون تحري الدقة للمسافة التي يجب قطعها خلال الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
اليوم ونحن نتأمل المشهد في بلادنا، نرى هناك قفزات، هشمت زجاجة إرث جميل، وقد تناثر بعض الزجاج، وجرح أصابع هذا الإرث، وشوّه الإبهام، والسبابة، وسعى بعض أفراد المجتمع إلى كبح جماح هذه القفزات غير المحسوبة، ولكن أيضاً أسلوب التعديل كان أسوأ من الأخطاء التي وقعت.
نحن لسنا بحاجة إلى قنوط يحبط فرادتنا في التقدم في جميع المجالات، ولسنا بحاجة إلى يائسين، يجرون العربة إلى الوراء، بل نحن بحاجة إلى دارسين لمقتضيات حاجتنا للتغيير، مع عدم المساس بالثوابت، وعدم القفز من دون مقاييس ترسم صورة الحقائق من دون تشويش، أو تشويه، أو تمادي في خدش المرآة أو مبالغة في تثليم فنجان القهوة.
نحن بحاجة إلى التطور، كحاجتنا إلى الماء والهواء، وكذلك نحن بحاجة إلى إرثنا، كحاجتنا إلى الدماء التي تجري في الشريان.
العقل البشري أوسع من المحيط، ولديه الإمكانية في استيعاب المتغيرات بكل لباقة، ولكن هذا العقل حتى يمكنه الإلمام بما يحدث من أضواء كاشفة، يحتاج إلى بيت خبرة داخلي يرتب له حبات المسبحة المتناثرة، كي يلتقطها حبة حبة، ثم يضعها بين الأصابع بسلاسة ويسر، ومن دون عناء، ولا شقاء.