ليس أسهل من اصطياد الأوعية الفارغة التي يحملها الكثير من الغوغاء على أكتافهم، وتعبئتها وتوجيهها، وأمرها لتنفيذ المآرب، وتحقيق الأهداف، فهي تحتل مساحة مخصصة للرأس والعقل، ولها قيمة وجودية لا تعرف الدهماء معناها، ولا تدرك ثقلها، فتهبها لأول القارعين بابها، وأول العابثين بأحلامها المشوهة، هذه الأوعية الفارغة تنتقل من مرحلة الفراغ إلى مرحلة الحشو، بسرعة، وتقلب كلّي، وتغير بوصلة توجهها بأقل الرياح هبوباً، وهي في كلتا الحالتين لا تملك إرادتها، ولا حريتها، ولا أمانة الاختيار، وشجاعة قول نعم أو لا، لذا تجدها تحتل عرض الشارع، وتسكن قاع المجتمعات، وهوامش البقاع، تخشى الاختلاط، وضريبة التمدن، وهم المعرفة، فسادها الحقيقي هو المادة، وكل ما يلمع من قول أو فعل أو ذهب، تعيش الليل والظلام، وتجد للنهار عيوناً، وفي الشمس والنور كشفاً للأقنعة المخاطية، قد ترتدي قميص عثمان، وتصلي خلف عليّ، وتولم على مائدة معاوية، تدعي الدين، لكنها لا تقوى على حمل أمانته، وثقل وصاياه المتسامحة والإنسانية، يرعبها الحق والعدل والخير والجمال والقيم الأممية، فتختصرها بويل للمصلين، وبدار حرب، ودار سلم، بجنة أو نار، تضيق عليها مساحات التلاقي، ونقاط التقاطع، وما يمكن أن تفعله الثقافات في الناس، وما تصنع الحضارات من تلاقح بعضها ببعض في الرقي بالإنسان، وتأكيد كرامته. الأوعية الفارغة دائماً جاهزة للانقضاض، والهدم، والخراب، ساعية للبشاعة وحرق العشب الأخضر، وتمجيد الرماد، لا تشبع، وإنْ جاعت أكلت كلمات وشرعة ربها، لا تنصاع إلا لسفيه أو معتوه أو ظالم، لمسيلمة الكذاب أو للأعور الدجّال، لأنها ترغب في المشاع، وفي إطلاق اليد، والنهب بشرعنة النصوص المقدسة، ولأنها خالية من عقل، فهي عدو العقل، رجاؤها التكفير، وضيق صدرها التفكير. كم من أوعية فارغة في مجتمعاتنا العربية والمسلمة! وهي غير قادرة على الدفاع عن نفسها واختياراتها، فهي ملزمة بما يريد من يدفع، وهي وسيلة بطش إنْ أراد، ووسيلة ترهيب إنْ أراد، ووسيلة كذب وتشويه إنْ أراد، فكيف تعجبون من كل هذا الخراب، وتبشيع صورة العربي والمسلم، وتدهشون من كل هذا القتل والإرهاب، وترويع المجتمعات، وزرع ما يمجد الفتن، ما ظهر منها وما بطن؟! مرة طائفية، ومرة إثنية، ومرة جهادية، ومرة شعوبية، ومرة انتصار للنار المقدسة، ومجد الأباطرة، وعز القياصرة، وإعلاء بناء الهيكل. أوعية فارغة تتلاعب بها أجهزة وسياسات وعصابات وشركات، مصالح تفكر لها وعنها، ونحن لا نتفكر في حجم الأوعية الفارغة التي تعيش بيننا وحولنا، وتعتاش منا وعلينا!