الإهمال.. جناية!
«الإهمال جنحة غير متعمدة، وأعتقد أننا جميعًا مهملون في مكان ما من حياتنا». تبدو هذه العبارة منطقية جداً، ولكن هل يمكن أن نغير وجهة نظرنا تجاه العبارة لو عرفنا قائلها ومناسبتها؟ أم أن القائل لا علاقة له بأثر المقولة!
حسناً.. صاحبة تلك العبارة السابقة رئيسة صندوق النقد الدولي «كرستين لاجارد» وذلك في عرض دفاعها عن الطريقة التي تعاملت فيها - إبان عملها كوزيرة مالية في الحكومة الفرنسية في عهد «ساركوزي»- تجاه قضية مالية شائكة. حيث لجأت إلى غلق ملف لرجل أعمال عبر «التحكيم» بدل اللجوء للقضاء؛ مما أُعتبر -بعد سنوات على قرارها ذاك - سوء إدارة لملف القضية، وأنها تعاملت معه «باستخفاف»، ومن ثم بإهمال عندما تقاعست عن الطعن. شغلت هذه القضية الرأي العام العالمي والفرنسي بشكل خاص، خصوصا بسبب حرج منصبها الدولي المالي.
بدون الدخول في تفاصيل القضية - التي يمكن الرجوع إليها عبر التقارير الصحفية المنشورة نهاية العام الماضي- وبالعودة إلى العبارة التي أطلقتها «كريستين» بأن الإهمال جنحة غير متعمدة، فإن التبرير في غير محله تماماً، فهو يختلف تماماً عن الخطأ الذي ينشأ من سوء التقدير الذي يسبقه الاجتهاد والحرص. فالإهمال يعني أن أحدهم لم يبدِ الاهتمام اللازم والجهد المطلوب الذي يتوجبه الأمر أوالعمل الذي بين يديه، وهذا تقصير له تداعيات أكيدة، وبالتالي يدخل في تصنيف الفعل المتعمد حتى لو كانت النية طيبة.
في كل مهننا وأعمالنا هناك مناطق تدخل في هذا التصنيف، مناطق يعتبر الاستخفاف في التعامل معها له تداعيات؛ بعضهم يهمل قراراً وآخرون يهملون رسائل، وبعضهم يهمل القراءة المتأنية لقرارات وجب تنفيذها فيما يهمل آخرون توقيعاً مهماً أو مراجعة لورقة قبل اتخاذ قرار، أو حتى أخذ مشورة يجب الالتزام بها قبل المضي في أمر. كلها أشكال إهمال لن تتوقف تداعياتها بمجرد انتهاء الفعل، بل تطال أبعد ما يمكن تخيله. في رأيي إن «الاستخفاف» الحقيقي الذي نبديه يكمن في اعتبار الإهمال في العمل مجرد «إهمال غير متعمد»؛ فهذا التصنيف ينشر ثقافة التساهل والتهاون ما يضاعف إمكانية تكرار هذا الفعل وتمكين أصحابه من أعذار على شاكلة ما ذكرته «كرستين لاجارد» بأننا جميعًا مهملون في مكان ما من حياتنا.