من المهم دائماً أن نسمع، وإذا سمعنا أن نفهم ونصغي، وسواء سمعنا أم لا، فمن المهم أن لا نحكم على الناس من مظهرهم وملابسهم ولكنتهم وطريقة كلامهم، وأن «لا نقرأ كتاباً أبداً من عنوانه» حتى لو كان ثمنه عام 1884 سبعة ملايين دولار. توقف القطار في إحدى المحطات في مدينة بوسطن الأميركية وخرج منه زوجان يرتديان ملابس بسيطة، كانت الزوجة تتشح بثوب من القطن، بينما يرتدي الزوج بزة متواضعة صنعها بيديه. وبخطوات خجلة، توجه الزوجان مباشرة إلى مكتب رئيس جامعة هارفارد، ولم يكونا قد حصلا على موعد مسبق، وقالت مديرة مكتب رئيس الجامعة للزوجين القرويين: الرئيس مشغول جداً، ولن يستطيع مقابلتكما قريباً، ولكن سرعان ما جاءها رد السيدة الريفية، حيث قالت بثقة سوف ننتظره. وظل الزوجان ينتظران ساعات طويلة أهملتهما خلالها السكرتيرة تماماً، على أمل أن يفقدا الأمل والحماس البادي على وجهيهما وينصرفا لكن هيهات، فقد حضر الزوجان لأمر مهم جداً. ولكن مع انقضاء الوقت، وإصرار الزوجين، بدأ غضب السكرتيرة يتصاعد!! فقررت مقاطعة رئيسها، ورجته أن يقابلهما لبضع دقائق لكي يرحلا. هز الرئيس رأسه غاضباً، وبدت عليه علامات الاستياء، فمن هم في مركزه لا يجدون وقت الملاقاة، لكنه وافق على رؤيتهما لبضع دقائق لكي يضطرا للرحيل. عندما دخل الزوجان مكتب الرئيس، قالت له السيدة، إنه كان لهما ولد درس في «هارفارد» لمدة عام لكنه توفي في حادث، وبما أنه كان سعيداً خلال الفترة التي قضاها في هذه الجامعة، فقد قررا تقديم تبرع للجامعة لتخليد اسم ابنهما. لم يتأثر الرئيس كثيراً بما قالته السيدة، بل رد بخشونة: سيدتي، لا يمكننا أن نقيم مبنى ونخلد ذكرى كل من درس هنا، وإلا تحولت الجامعة إلى غابة من المباني والنصب التذكارية. وهنا ردت السيدة، نحن لا نرغب في وضع تمثال، بل نريد أن نهب مبنى يحمل اسمه في الجامعة، لكن هذا الكلام لم يلق أي صدى لدى الرئيس!! فرمق بعينين غاضبتين ذلك الثوب القطني والبذلة المتهالكة ورد بسخرية: “هل لديكما فكرة كم يكلف بناء مثل هذا المبنى؟! لقد كلفتنا مباني الجامعة ما يربو على سبعة ملايين ونصف المليون دولار!”. ساد الصمت برهة، ظن خلالها الرئيس أن بإمكانه الآن أن يتخلص من الزوجين، وهنا استدارت السيدة وقالت لزوجها: “سيد ستانفورد: ما دامت هذه هي تكلفة إنشاء جامعة كاملة، فلماذا لا ننشئ جامعة جديدة تحمل اسم ابننا؟ فهز الزوج رأسه موافقاً”. غادر الزوجان “ليلند ستانفورد وجين ستانفورد” وسط ذهول وخيبة الرئيس، وسافرا إلى كاليفورنيا وأسسا جامعة ستانفورد العريقة والتي ما زالت تحمل اسم عائلتهما وتخلد ذكرى ابنهما الذي لم يكن يساوي شيئاً لرئيس جامعة “هارفارد”، وقد حدث هذا عام 1884م. Maary191@hotmail.com