في الحالة البشرية، يعتبر الماضي هو الفعل الذي كان يشكل الحاضر والمستقبل في يوم من الأيام، وهو كذلك الفعل الأول لأشياء كثيرة.
كان الماضي توقاً للمستقبل، لتحقيق الاختلاف وقلب صفحة، حاضراً كان، إلا أن ذلك الذي كان يشكل رؤية للمستقبل يدخل دائماً في دولاب التاريخ، ولا يبقى منه إلا بعض الحكم والعبر التي تسعف أحياناً أثناء سير الحاضر إلى المستقبل.
فكلما مر الزمن يحدث التطوير والتغيير لبلوغ هدف أجمل، وهكذا دواليك تمر الحياة طموحاً وآمالاً وشغفاً في الأفضل، في المستقبل حين يكون حاضراً.
من هنا يلح دائماً التساؤل، حول لماذا يسكن في الكثير من البشر ذلك المستقبل الذي توقف عن أن يحدث الفرق، وسكن في زوايا ودهاليز الزمن الماضي؟ لماذا يرون الحقيقة كأنها اكتشفت وتم تفسير كل شيء، ليبقوا في خندق الماضي مكتفين ومؤمنين بأن ما قد تم هو الإنجاز، وأن على الجميع السير في هذا الطريق المخلص الأوحد، حسب رؤيتهم، وأنه هو الماضي والحاضر والمستقبل.
فيما هو لا يعدو إلا أن يكون قديماً وصدئاً لا يقدم لهذا النهار المتكرر والليل المتكرر أي شيء، فالشمس تشرق كل يوم، والقمر يرسل ضوءه على الأرض، الغيوم تزين السماء، والمطر يهطل، والبحار والمحيطات مازالت ترسم الزرقة على الكوكب، والجبال راسية كعهدها.
من المتناقضات أن الحركة البشرية هي حركة إلى الأمام، إلى المستقبل، فيما الذهن، على الرغم من نهوضه في كل صباح ليباشر الحياة أي أنه يباشر حركة إلى المستقبل يقود معه كل تعاليم الماضي التي لا تصلح أن تكون المستقبل مطلقاً.
يقال «من الماضي تستمد الحياة».. لكن هل يعقل أن تفكر في غد، وأنت ترقد فكرياً وجسدياً في الماضي؟ هل يعقل أن تفكر في الجديد الثقافي بأشكاله المتعددة وأنت تجتر ماضياً سحيقاً للفكر؟
الماضي كان جميلاً ورائعاً واستثنائياً في حينه، وقاسياً وبشعاً ودموياً في حينه أيضاً، إلا أنه ليس قفلاً للحركة نحو المستقبل، بل هو محفز على إمكانية تحقيق مستقبل مختلف، نظراً لما حدث في الحاضر الذي من المهم أن نعيش كل تفاصيله، نُعد عَبره لركوب سفينة الحياة كي تعبر بنا نحو المستقبليات المتعددة والأبدية للبشرية، حيث من المهم أن تتعدد الرؤى الجديدة في منطقة الحاضر، عَلَّ البشرية تتخلص من مصير الماضي الذي ينهشها في أكثر الضروريات البشرية للنجاة من الغرق، ألا وهو التفكير.