للمرة الثانية، وفي منطقة مجاورة لحدود دولة الكويت الشقيقة، أي أن في هذه المرة برلمانيين عراقيين، أحدهما من القائمة العراقية، أي جماعة علاوي، والآخر من دولة القانون، أي أتباع نوري المالكي، تلاسنوا وتشابكوا وتصافعوا، وانتهى الأمر بانسحاب عضو القائمة العراقية، معتبراً أن الممارسات التي تقوم بها الحكومة والتي يرأسها المالكي، والذي هو رئيس كتلة دولة القانون غير ديمقراطية، كونها تمنع المتظاهرين من التعبير عن آرائهم في ميدان التحرير، ولم يجد عضو القائمة العراقية من سبيل غير أنه يشتم عضو الكتلة المنافسة، ثم يمد يده ويتشابك الاثنان، وإثر هذا النزاع بالأيدي والأرجل تشعر الديمقراطية بألم شديد، وصراع عنيف، ما جعل صحيفة الدستور المستقلة تقول إن الخلاف بين المالكي وعلاوي بلغ ذروته، وقد يفجر أزمة خطيرة في العراق.
بينما قالت صحيفة الصباح إن ردود الفعل الشعبية أجمعت على خطورة الوضع السياسي في الوقت الذي لايزال فيه الوضع الأمني هشاً وقابلاً للتدهور. ما العمل إذن؟ لا الديكتاتورية نفعت، ولا الديمقراطية نفعت، ألا ينبغي أن نبحث عن الحل في داخلنا، فالصيغ الديمقراطية التي تتحول إلى تعبيرات ساخنة يتخللها لكم ولطم ولجم، لم تعد شعوبنا بحاجة إليها، لأنها صيغ أصبحت فقط صالحة للتنفيس عن مكنونات فئات معينة وشرائح بذاتها تريد أن تتوغل في المجالس لأجل أن تحقن الوضع الاجتماعي والسياسي بمجموعة مسلمات وبديهيات اقتنعت بها وعلى الجميع أن يرضخوا لها، وإلا حول المكان والزمان إلى حلبة صراع، بداية شفوية ونهاية دموية، وعلى الأوطان أن تتحمل مثل هذه الخسائر، والانكسارات والشروخ، فمثل هؤلاء لا يهمهم ما تؤول إليه الأوضاع بقدر مايهمهم التنفيس عن ذواتهم المتضخمة، والقول للآخرين أنا ومن بعدي الطوفان.
نقولها بالفم الملآن إن الديمقراطية وسيلة من وسائل إسعاد الإنسان، ولكن عندما تتحول هذه الوسيلة إلى آلة حادة تجرح أصحابها وكل من يقترب منها، وتشوه وتسوف وتحرف، فإن الناس في غنى عنها. ديمقراطية الغوغاء والدهماء لا تنتج مجتمعاً متناسقاً منسجماً، آمناً مستقراً، والإنسان في أي مكان وزمان لم يسع إلى مختلف نظم الحكم إلا لأجل تحاشي الخطر، وبعض هذه النظم أصابت وبعضها خابت، ثم زالت، ولكن لأن الصيغ الديمقراطية بحاجة إلى تعافٍ نفسي وفكري وثقافي فإنها لا يمكن أن تكون مجرد لعبة، لابد وأن يقتنيها كل فرد وإلا أقام الدنيا ولم يقعدها. عندما نستطيع أن ندرب أنفسنا على الحوار، وعندما نحترم من نحاوره، وعندما يجتمع المتحاورون، أولاً وقبل كل شيء على حب الوطن، نقول نعم للديمقراطية، أما ما نشهده في الدول الشقيقة، ومن قِبل دعاة الديمقراطية فإنها في الحقيقة دعوة مبطنة وكامنة ضد حق الإنسان وحق الوطن، بأن يرقى بقوة أبنائه وتفاهمهم وتعاضدهم لأجل الهدف الأسمى، هو الوطن الذي لامجال لإشاعة اللغط حوله، أو رمي الغلط باتجاهه.



marafea@emi.ae