لا أعتقد أن أحداً قد فوجئ بالفضيحة الجديدة للولايات المتحدة الأميركية، واكتشاف تجسسها على دول العالم، وتتبع خطواتهم عبر شبكة الإنترنت، فهذه من الأمور المسلم بها، أميركا ودول غيرها تقوم بهذا الأمر على الدوام، وفضائح الجاسوسية التي تظهر بين فترة وأخرى ملأى بالمعلومات التي تكشف الطريقة التي تعمل بها الدول الكبرى، وحرصها على استخدام مبدأ الغاية تبرر الوسيلة بالتلصص على خلق الله في كل مكان تحت ذريعة حماية أمنها. ربما الكل يعرف ذلك، لكن الجديد في الأمر أن هذه المعرفة اقترنت بدليل جديد الأسبوع الماضي بعد المعلومات التي كشفها موظف سابق لـ «سي آي إيه»، وبينت أن أميركا بلد الحرية والديمقراطية والأخلاق الحميدة لديها برنامج متطور اسمه «بريزم»، لا يحترم الحرية، ولا الخصوصية، وليس فيه ذرة من الأخلاق التي تنادي بها أميركا، وشغلته التجسس على الناس والدول والمنظمات على الإنترنت. الكشف عن «بريزم» أثار غضب الكثير من دول العالم، أصدقاء أميركا قبل أعدائها، ولعل أهم ما فيه إنه جسد حقيقة أن الإنترنت عالم تسيطر عليه أميركا بشكل مطلق، بفضل أن كل شركات الإنترنت الكبرى هي شركات أميركية، فكل ما يدور في عالم الإنترنت ينقل عبر الأسلاك والألياف الضوئية في نهاية المطاف إلى أميركا، وهناك يمكن النبش فيه، وكشف خباياه. وبالطبع أميركا كعادتها لم تعتذر عن هذه الفضيحة، وعوضاً عن ذلك ركزت كل جهودها في القبض على الموظف الذي كشف المعلومات، ووصفته بالخائن الذي يستحق العقاب. هذه الفضيحة تجسد المفارقة الدائمة بأن أميركا التي تتشدق بحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات في العالم، ووزارة الخارجية فيها تطلق في كل سنة تقريراً عن الحقوق في العالم، لا يسلم أحد من انتقاداته، هي نفسها التي تتبع من تحت الطاولة أشنع الأساليب وأكثرها احتيالاً في التعدي على حقوق الآخرين وخصوصياتهم. التناقض الصارخ في الأساليب الأميركية بين الشعارات البراقة التي ترفعها عن الحقوق والأساليب غير اللائقة التي تتبعها في الخفاء، صدر فيها مجلدات ومعلقات، أحدها كان كتاب تحت عنوان «أكبر حكومة منافقة في التاريخ» إن لم تخنِ الذاكرة، تقول ما لا تفعل، وتنادي بالحريات والحقوق، وأول ما يمس لها طرف لا تتوانى عن الالتفاف على أي قانون أو حقوق، وهي على استعداد لتجاوز أمن الآخرين في سبيل حماية أمنها. الخلاصة أن أميركا ستواصل التجسس، وفي المقابل علينا أن نواصل بكل أسف تحمل الاستماع لمواعظها الدائمة عن ضرورة احترام المبادئ وحقوق الآخرين. سيف الشامسي | Saif.alshamsi@admedia.ae