الفن في بدايته الأولى، لم يكن يحمل سمة التأمل والدهشة، بل يقترن بطقوس وممارسات سحرية، دينية، وكذلك نفعية، وكان مصدر الإلهام هي البيئة، كما هي الحال في بناء “أبو الهول”، في الفن المصري، أما الآن فإن الفن عبارة عن لغة تواصل، بين الفنان والبيئة، هذه اللغة تعكس العلاقة السلبية والإيجابية مع البيئة. قد يعيش الإنسان المعاصر حالة من التوتر والهذيان، وذلك لتحول الطبيعة من حالة إلى حالة أخرى، فالإنسان أصبح استهلاكياً لدرجة الامتلاء. البيئة هي المادة التي نستطيع ملامسة المستقبل من خلالها، وهي الركيزة الأساسية لوجود الحياة والكون، فالبيئة المحيطة جعلت الإنسان يتحرك ضمن قوانين الجاذبية، فلم تغب تلك الحقيقة عن الفن الذي فتح ذراعيه لاستقبال فن الأرض، وغيرها من الفنون القديمة والحديثة، فالبيئة هي مسكن الفنان الذي عبر عنها بالفرشاة، الفيديو، التصوير الرقمي والأداء الجسدي الصامت. أدرك الإنسان أهمية تلك البيئة فوضع لها علماً خاصاً عام 1866 على يد عالم الحيوان الألماني إرنست هايكل. ويشتق اصطلاح “علم البيئة” بعد دمج كلمتين يونانيتين هما Oikes، ومعناها مسكن، و Logos، ومعناها علم، وقد استخدمه هايكل للإشارة إلى “البحث في مجموع علاقات الحيوان ببيئته العضوية وغير العضوية”. ومنذ أوائل القرن العشرين عُرف “علم البيئة” بكونه فرعًا من فروع البيولوجي (الأحياء)، يبحث في علاقة الكائنات الحية ببيئتها. الفن، في الوقت الحالي، متصل مع الواقع والبيئة المحيطة ومتفاعل مع الأشجار، وأعمدة الكهرباء وعناصر التشويش في المجتمع، وهذا هو السبب الرئيس وراء بروز الأعمال المفاهيمية والمهجنة. حسن شريف عندما تعلق بالخيوط وفن الأرض المتصلة بالتكرار هو يرسم قصة حياته الخاصة، بينما شخص تجده يعيش وسط بيئة ملأى بالأعشاب الخضراء ونقاء المياه وصدق نسمات الرياح يتعامل مع اللوح بشكل مباشر أي أنه يداعب أوراق الشجر ويخيط السعادة على هندام اللوحة، أما نحن القاطنين وسط ضجة السيارات ومشاكل البيئة المختلفة، بالإضافة إلى ضغوط العمل المرهقة ودموع البيئة المنتحرة، فتجد أعمالنا تتكلم بشكل صريح وواقعي، مما أوجد المتاحف المعاصرة بجانب المتاحف التقليدية. يحاول الفن في الوقت الحالي، بناء علاقة وثيقة مع البيئة، لكي يتفاعل الداخل مع الخارج، ويصل الفنان إلى حالة سلام مع البيئة، التي أجبرها عبر التكنولوجيا على الانتحار، وبشكل بطيء جداً، هذا السلام، يقود الفنان نحو الأصالة والانتماء للذات. تتشكل الثقافة من تداخل البيئات المختلفة، بطريقة إيجابية، فالفن هو وليد هذا التداخل، ويتشكل على حسب الظروف الاجتماعية لكل جيل وكل حقبة زمنية. science_97@yahoo.com