عندما تجد شخصاً يلوب في المكان مثل ذبابة حائرة، فاعلم أن هناك ضجيج فكرة ما يؤلب مشاعره، ويحرضها على الدوران حول نقطة ما غائرة في التاريخ الشخصي.
الضجيج في الرأس مثل التيارات الهوائية التي تقلب الرمال وتراكمها في الطريق العام فتمنع العربات من المرور.
هكذا يصبح الشخص عندما ينحشر أمام فكرة ما غامضة لا يعرف لها أصلاً، ولكنها تدور في رأسه، تقلب، وتجلب وتنكب، وتصخب، وتنهب، وتسلب، وتحطب في غابة الرأس، ولا يستطيع الشخص الفكاك من قبضتها الحديدية.
عندما يكون الشخص تحت رحمة فكرة، نكص إليها وتثبت عند دائرتها الضيقة، يصبح أسير هذه الفكرة، يغوص في بئرها العميق ويتوغل في سوادها المعتم، ولا تغريه المثيرات الأخرى مهما بذل من جهد للتحرر من فكرته الأصلية. غالباً ما تكون هذه الفكرة، من نتاج مراحل طفولية باكرة، الأمر الذي يجعلها غير معروفة الأصل، وغير مفهومة، الأسباب.
يعيش الشخص المثبت عند هذه الفكرة، حالة من التيه، والدوران حول النفس، والضياع في مجاهيل الفكرة نفسها، تنتابه حالة من العصبية، والتشنج، والبحلقة في الفراغ، وعدم القدرة على النوم، وفقدان الأصدقاء بسرعة فائقة، وخسارة الوظيفة، والعلاقة العاطفية الفاشلة.
هذا الشخص عاطفي إلى درجة الشك في كل ما يدور من حوله، ولديه القدرة على رسم الصور الخيالية حول كل كلمة يفوه بها الآخرون، وتأويلها، وتحويلها إلى طاولة نقاش لا تنتهي تفاصيله، ولا تتوقف مجاريه عن التدفق مثل أنبوب ماء مثقوب.
الضجيج في الرأس ينتج عن صراع داخلي لم تحل عقدته لدى الشخص المصاب بهذا الداء.
الضجيج من أبشع الأمراض النفسية التي يصاب بها الأشخاص، لأنه في حالة كهذه، يصبح الشخص مسلوب الإرادة، إنه يتصرف بمحض إرادة فكرة غرست مساميرها في الرأس، ولا مجال لاقتلاعها، مما يجعله رهينة هذه الفكرة، أو سجين عالم مبهم، مسور بصور خيالية سحرية، مهيبة، ودائماً ما يتشبث هذا الشخص بالشعوذة، والقوى الماورائية، والأشباح، والجن، وغيرها من الصور الذهنية المنتقاة من قبل العقل المدفون تحت طين الهذيانات، والمهلوسة.
الضجيج يجعل الشخص، هشاً، متقلباً، متدحرجاً مثل صخرة، تتدحرج على سفح جبل.
الضجيج يأخذ الشخص بعيداً عن واقعه، يجعله مثل طائرة مخطوفة، لا يعرف له مآل، ولا يفهم له مصير.