لست أدري لماذا الماضي مبهج بهذا القدر، رغم أنه لم يزخر بكل أشكال الرفاهية التي تحيطنا اليوم.. كان بسيطاً لا يخلو من معاناة، لكنه في أي مقارنة تبدو حكاياه كأنها أساطير، تماماً مثل حكايات «صفصوف العين» عن الجماهير.
كل محبي الكرة، والعين بالذات، يعرفون سليمان داوود «صفصوف»، أحد أكبر مشجعي البنفسج والكرة الإماراتية، وفي مقابلته الأخيرة مع الإعلامي القدير يعقوب السعدي «الذكريات» على «أبوظبي الرياضية»، انتهت لتترك بداخلنا شيئاً من شجون أو من تساؤل: ماذا حدث؟ ولماذا تبدل الواقع.. هل اختلفت نوعية الجماهير أم الأندية أم اللاعبين أم كل هذا؟.. أين هؤلاء الناس وتلك المشاعر وهذه الحكايات الجميلة التي نسمع عنها وكأنها أغنيات من زمن مضى؟.
قال لي صديقي وأنا أتمتم أمامه بتلك التساؤلات: لم يكن هناك «فيس بوك» ولا «تويتر» ولا «واتساب» أو «سناب شات».. لم يكن المد الإعلامي هائلاً بهذا القدر.. غالباً كان عليك أن تكون في الملعب لترى.. كان ما يسري عن أهلنا في الماضي قليلاً وشحيحاً.. قلت له: لكن صفصوف لديه اليوم كل ما ينعم به جيلنا ولم يتغير، فرد بأن من شب على شيء شاب عليه.
لم تكن الأندية شعاراً ولا سجالاً.. كانت بيتاً كما قال «بو محمد».. كانت أول نافذة تفتحت عليها العين.. كانت سامر السمار وحديث الصباح والمساء .. كانت حلم «الربع» وقصة العشق و«الشيلات» وكوب الكرك تحت المطر.
العالم تغير قطعاً، لكن ظني أن الأندية في تعاطيها مع الجمهور لم تتغير.. ظننت أن محبيها على حالهم، سيأتون في الموعد، حتى لو مضى زمن حمادي العقربي وكلاديو والمدرب البرازيلي نيلسون.. لم تفطن إلى التغيير الجذري من زمن كانت الجماهير تكتظ بالصالة لمشاهدة مباريات الطائرة واليد، إلى زمن نستجدي فيه الجماهير وقد نغريها بالجوائز والسيارات لتحضر المباريات.
الجمهور في العالم يحضر ويحتفل ويزداد من مناسبة لأخرى، ويدفع الكثير ليكون جزءاً من اللعبة، لأنهم هناك يحتفون بكل شيء.. بالمقعد والمطعم والصخب والفرحة.. هناك جعلوا المباراة للجميع.. للوالد والأم والابن.. جعلوها مناسبة للتغيير وللبهجة، وهنا لم يتجاوز الأمر أن ترى وهو أمر يوفره التليفزيون مع كل «المقبلات الجانبية».
كلمة أخيرة:
الاحتراف طال كل شيء إلا الجماهير.. تركنا الهواية بكل ما فيها وأبقيناها فقط في هذا الملف