يعيش العالم اليوم تحت وطأة صداع أخرج العقل من العقل، وسرب إلى النفس نفايات أثقلت كاهلها، وأمام هذا الوباء الشرس، لم يفعل الإنسان ما يجدي، وما يزيح هذا المرض من الرأس الذي أصبح مثل كرة مثقوبة، ترفسها أقدام لاعبين هواة.
استخدم الإنسان المعاصر كل المسكنات، وكل المهدئات، وكل مخففات الألم، ولكن لم يحدث ما يبشر بزوال المرض، لأنّ الداء جاء من منطقة غير التي يذهب إليها المعالجون، ولأنَّ المرض نتيجة مباشرة لعلاقة غير سوية بين الإنسان والطبيعة، ولأنَّ العلاج كان مجرد هروب من الواقع، وإسراف في الجدل بين العقل والواقع، ما دفع بمزيد من التراكم، ومزيد من المخلفات التاريخية، التي حاول الإنسان طمسها وليس التخلص منها.
فعندما يشكو المرء من شرخ في جدار المنزل الذي يسكنه، وتقوم أنت بنصيحة، تؤدي إلى عدم المنزل، فتلك كارثة.
الهدم في حد ذاته صعود إلى الهاوية الهدم ولوج في العدم، ولا حياة في العدمية، غير عبث البلهاء في منطقة قاحلة، يرجون منها عشبة الرمق الأخير.
نحن نحتاج إلى أكثر من فرويد كي يحلل لنا ظاهرة الصداع التي استولت على جمع غفير من البشر في أصقاع العالم، هذا العالم الذي بدأت تحكمه الأيادي الخفية والتي تسرب أفكار ما بعد الغلاف الجوي، وتجعلها منطقة غير منزوعة الكراهية، منطقة تزدحم بمخلفات عقيمة، وسقيمة، وعديمة، وأثيمة، وأليمة، إلى حد أن الإنسان بدأ ينحو باتجاه عالم الكل ضد الكل.
وماذا بعد، ونحن أصبحنا نحرق الرغيف الذي بين أيدينا، ونكب اللقمة التي في طبق المائدة في سلة المهملات؟ ماذا بعد ونحن أصبحنا نبحث عن السلام العالمي بين أضراس الوحوش، ونسأل عن الحميمية، في أحضان الضواري، ونكتب رسائل حب إلى قلوب خاوية، ونرسل خطابات الود إلى نماذج بشرية، الضمير لديها أشبه بالهواء الفاسد، وقلوبها مخلوقات نافقة.
وبعد هذا التفسخ للجثث، لا بد من صحوة، ولا بد من صرخة مدوية لتحيي العظام وتعيد للوعي طاقته الحرارية حتى يستطيع التواصل مع الواقع، بصورة طبيعية، وحتى تصبح الطبيعة معشبة بسنابل تينع بقدرة الوعي، وأشجار ترتفع سيقانها بطاقة الأحلام الزاهية.
نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب البيت الأخلاقي في هذا العالم الموبوء بالصداع اثر أدمانه على فوبيا الصراع، والعدائية للقيم السامية التي جاءت بها طبيعتنا الخلاقة.
نحن بحاجة إلى العودة إلى تراب الشجرة التي منحتنا الظل، وأكسبتنا حلم الطير، وأعطتنا اخضرار العيون الناعسات الدعج.
نحن بحاجة إلى السكينة بعد رحلة طويلة، باءت بالفشل الذريع، في علاقتنا مع الآخر.
نحن بحاجة إلى إعادة النظر في تلوين أحلامنا، وتأثيث وجداننا.