لم نشهد في بلاد التتار أي نقع لحوافر الخيول الجامحة، ولا ذاك الصريخ الهمجي لأناس يتبارون على ظهور أحصنتهم، ولا تلك الشخصيات التي استقرت في أذهاننا بفضل المسلسلات التاريخية الساذجة الذي تشخب أفواههم دماً، الصلع القرع إلا من ذؤابة من شعر تتدلى خلف رؤوسهم، خاصة وقد استقر بنا المقام في عاصمة تتارستان قازان التي تقع عند ملتقى نهري الفولجا وقازانكا، وقازان بالتتارية تعني المرجل، وبعضهم يقول إنها الخندق، والشاهد أنها تعني الحفرة في أيهما، وهي مدينة نابضة بالحياة، يتقاسمها القديم والجديد، ويتجاور المسجد مع الكنيسة، وهناك مكان يسمى «فسيلنسكي خرام» يجمع كل الديانات في بناء جميل ومذهل، غير أن معظم سكان تتارستان يدينون بالإسلام، لكن «إيفان الرهيب» أو «إيفان غروزني» ذي اللحية المتسلط، هو من اضطهدهم، ومنعهم من التجارة، وممارسة العبادة أو حتى بناء منزل من طين أو حجر، وسمح لهم بمساحات صغيرة، ومبنية من الخشب فقط، فكان الأهالي من التتار إذا حان وقت الصلاة وضعوا سجادة صلاة تغطي النافذة، فيعرف الناس وقت الصلاة، كذلك ابتكروا حيلة، حيث جعلوا في أعلى منازلهم فتحة، إذا ما حان وقت الصلاة رفعوا من خلالها منارة صغيرة، فيدرك الناس وقت الصلاة، وقد بنى «إيفان» كرملين قازان على أنقاض قلعة خانات قازان عام 1556م، والكرملين كلمة روسية تعني القلعة، وهو اليوم من التراث الإنساني الذي تحميه اليونسكو.
يعود تاريخ تواصل التتار مع الحضارة العربية الإسلامية إلى ما قبل عام 922 م، حينما أرسل الخليفة العباسي المقتدر بالله «أحمد بن فضلان» الجغرافي والمؤرخ إلى أرض البلغار، والتي قامت فيها حضارة تعود للقرن الثامن قبل الميلاد، كان الوفد قوامه خمسة آلاف شخص، وعرفت فيما بعد بـ«رحلة ابن فضلان»، وقد شهدت قيام مملكة البلغار الإسلامية على يد الملك «جعفر بن عبدالله»، وفي القرن الثالث عشر للميلاد وقعت أرض التتار في أيدي المغول، وفي منتصف القرن الخامس عشر تفككت الإمبراطورية المغولية، وحكمتها قبائل أهمها القازانية حتى استولى عليها «إيفان» الرهيب، وضمها للقيصرية الروسية، وفي عام 1920 انضمت للاتحاد السوفييتي، وبعد الانهيار دخلت ضمن روسيا الاتحادية عام 1992.
في قازان أقدم جامعة في روسيا، تأسست عام 1804م، وهي مدينة علم وأدب وفن ورياضة، تزدان شوارعها بالتماثيل والمنحوتات، وطرازها المعماري الآخاذ، وعلى بعد ثلاث ساعات تقع مدينة بلغار التاريخية القديمة، ذات السمة الإسلامية، بمتاحفها ومسجدها الكبير، ومتحف القرآن الكريم، والمصحف الفريد بمقاس مترين في متر ونصف المتر، المُذهب والمزين بالأحجار الكريمة والفضة، المطبوع في إيطاليا، والذي يصل وزنه إلى ثمانمئة كيلو جرام.
ثمة كلام كثير يقال عن تتارستان، ومدنها وناسها وأكلاتها وثقافتها وحضارتها المتنوعة.