في أبوظبي اتسعت الحدقة، وكبرت الحلقة، وفي منطقة الثقافة تفرعت الشجرة، ووضعت على كل غصن حقلاً من أزاهير الفكر والإبداع، فنمت الفروع وترعرعت، وأزهرت وأثمرت وأينعت، فهذه هيئة الثقافة والتراث في العاصمة تفرج عن باقة من الفعاليات الثقافية، من محاضرات وندوات وأمسيات شعرية، هي باكورة عام ،2008 ليهل علينا العام متلألئاً، وضاءً وضاحاً بنجوم ثقافية تملأ سماء البلاد، وتسقط خيوطها الذهبية وتمنح القلوب والعقول أناشيد الحياة ومواويل تمد شراع السفينة المظفرة باتجاه عالم أوسع، وكون أفسح، وفضاء أروع، وما الكلمة إلا بذرة للنضوج ونافذة للخروج من ظلمة السكون· ولا شك أن هيئة الثقافة والتراث منذ إنشائها وهي تقوم بدور ريادي، سيادي، يضع لبنة لثقافة مؤسسة بفكر يفتح العين ويفرد الذراع نحو الاتجاهات الأربعة، وكون الإمارات حققت إنجازاً رائعاً منحازاً دوماً الى التفوق والتفرد والتميز، فلابد من أن يتكئ هذا الإعجاز على جسر منيع رفيع، يمنحه الأناقة واللباقة في التعاطي والتعامل مع معطيات العصر الذي نعيشه، فإذا كان العالم عرفنا اقتصادياً واستوعب نهضتنا فلا بد له أن يفهم العجلة التي حركت هذا القطار، وليس غير المسار الثقافي الذي يضع للهوية الوطنية مكاناً في قلب العالم ويؤسس بنياناً على تضاريس هذا الكون الواسع، فالإمارات بلد زاخر بإرثه الثقافي، عامر بتراكمه الفكري، وتستطيع بلادنا أن تخاطب العالم بلغة تتماهى مع الخطاب الإنساني·· فإذا كانت هيئة الثقافة والتراث في أبوظبي تقلدت هذا الدور، فإنه أيضاً يستوجب أن يكون هناك استنفار ونفير من كافة المؤسسات الثقافية في بلادنا، وأن يؤسس بناءً ثقافياً شاملاً على مستوى الدولة، فالمثل يقول ''اليد الواحدة لا تصفق''، لذلك يجب أن تجتمع جل الأيادي وتأتلف الخطوات في سبيل صياغة واقع ثقافي مبني على استراتيجية الوطن الواحد، وألا تغرد الطيور بعيداً عن أسرابها· نحن بحاجة الى هذا الكم الهائل من الجهد الثقافي لنعبر عن تراكمنا الإبداعي ولنصل الى العالم برؤية ثقافية ناضجة ومؤثرة، ولنتواصل مع الإنسان في كل أقطاره، دون تفريط في الثوابت، ونقدم صورة واضحة المعالم للبشرية جمعاء، فجهة الإنسان في بلادنا، هي ثقافة إنسانية كونية في الأساس، وهي مستمدة من مجمل نشاطه وتفاعله في الماضي والحاضر، مع بلاد تبعد عن بلادنا بآلاف الأميال، ولكن الشراع الإماراتي استطاع أن يحلق وأن يرفرف على سواحل تلك البلاد وأن يتعامل مع أهلها بروح شفيفة رهيفة، ويضع القاسم المشترك بين الشعوب، فوق كل الاعتبارات والامتيازات، ولهذا السبب وضعت الإمارات اسمها على الخريطة بكل ثقة واتزان وإتقان، ولاقت كل الرضا والحب من أطياف وأصناف البشر· هذه هي الإمارات، وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث تسير بخطى أكيدة باتجاه الركيزة الثقافية الصحيحة·