هو حديث عن المنتخب الناري الذي أقنع الجميع في بطولة كأس العالم، واقتنع به الكل، وتعاطف معه الجمهور من مختلف البلدان، لأنه يستحق، وانتزع الاحترام انتزاعاً، منتخب فرض نفسه على البطولة، لذا كسب الاحترام، وتلقى الود والتعاطف من المنافسين والمتنافسين، هو حديث كان يجب أن يبدأ من هذا المنتخب الذي خلق الظاهرة الكروية الكرواتية، ظاهرة اللعبة، وظاهرة هذه المرأة «الحريرية» التي تقوده، اليوم لا أحد في العالم لا يعرف هذه الجمهورية الصغيرة، ولا يعرف منتخبها، ولا يعرف رئيسها التي تحمل تاء التأنيث كتاج على رأس من ذهب، ولها تقاطيع يسر بها الجميع، وتدخل القلب بتلك العفوية، وذاك التواضع الذي يسبقه جمال هو سفيرها للناس. ولأن كرة القدم، وفِي محفل عالمي كهذا الذي يحدث كل أربع سنوات، هي وحدها من تصنع الأشياء بسرعة، وتصدرها للعالم في لمحة بصر، وهكذا فعلت مع المنتخب الكرواتي، ومع كرواتيا كبلد، ومع رئيستها غير العادية «كوليندا جرابار كيتاروفيتش» التي صنعت مجداً لبلدها، وها هي اليوم تصدر فعلها كرئيس محترم للبلدان الأخرى على سبيل من القدوة والمثل ومعنى شرف القسم، حتى أن اجتماع مجلس الوزراء بعد تأهل كرواتيا انعقد، والوزراء جميعهم يرتدون زي المنتخب احتفاء بالتأهل للنهائي، هذه أشياء بسيطة تحدث في البلدان، فتفرح الشعوب والنَّاس، لأنها مؤثرة في النفس، وفي تربية النشء. نعود للساحة الكروية، وللساحرة، فمهما كانت نتيجة اللقاء الأخير، فالشرف لكرواتيا التي ذكرتني بالمنتخب الهولندي أيام ما فاجأ العالم، وقدم الكرة الشاملة والمختلفة، غير أن الحظ خذله في نهاية الطريق، لكنه كسب الاحترام، كما ستكسب الاحترام كرواتيا ورئيستها التي باعت الطائرة الرئاسية، وقطعت تذكرة سفر سياحية ذاهبة لروسيا، لتجلس في مدرجات المشجعين ببطاقة دخول عادية، مرتدية زي المنتخب الكرواتي كأي مشجعة، وكانت تفرح بصدق، وتعبر عن مشاعرها بعفوية وطفولية حتى حين أصر «ميدييف» رئيس الوزراء الروسي أن يجلسها في المقصورة، لم تتمالك نفسها ورقصت طربة لفوز منتخب بلدها الصغير على روسيا الكبيرة، بل لم تكتف بذلك، فدخلت تعانق اللاعبين في غرفة تبديل الملابس، فالعرق من أجل الوطن يستحق التقبيل، ويستحق الرقص له بزهو وفخر، وهي التي كانت المثل والقدوة لشعبها فمنذ توليها السلطة عام 2015، قامت بإيداع أموالها الخاصة في خزانة الدولة، وخفضت راتبها ثلاثين في المائة، ورفضت التسلف من البنك الدولي، حاربت الفساد، وقلصت من مخصصات المسؤولين، وألغت الضرائب عن ذوي الدخل المحدود، ورفضت خصخصة المؤسسات العامة الكبرى، وخطت بكرواتيا الخارجة من رماد الحرب إلى العالم بصورة ملونة وأجمل!