المسؤولية ليست اختباء، وإنما هي بروز. المسؤولية تحتاج إلى قدرة فائقة على التصالح مع النفس، قبل التواصل مع الآخر. لو تخيل مسؤول نفسه مكان شخص جاءه لطلب خدمة معينة، وتم إغلاق الباب في وجهه، والقول له إن هذا الموضوع لا حل له إلا الانتظار وظل هذا الشخص ينتظر، وينتظر، إلى أن كلت نفسه، وجفت أعشاب قلبه وهي تنتظر المطر الذي لا يأتي. ماذا سيكون الإحساس الذي يراود هذا المسؤول؟ بطبيعة الحال سوف ينتابه الإحباط، وسوف يؤدي هذا الإحباط إلى خلل في علاقته بالآخر، وبالدرجة الأولى مع أهل بيته، الزوجة، والأبناء، ومن ثم تسوء علاقته مع المحيط الأوسع، في العمل وفي الشارع، والسوق، وفي أي مكان. ولو تخيلنا أن حالة الشخص هذا تكررت مع آخرين فإن النتيجة النهائية، سوف نحصد مجتمعاً بأكمله يعاني الإحباط، وسوء التصرف في علاقات اجتماعية، وبالتالي ينتج عن هذا التصدع خلل كبير في العملية الإنتاجية برمتها.
فلا تنتظر من مجتمع محبط أن ينتج ما هو مبهر، وما هو مفيد للإنسانية. لو تخيل كل مسؤول الكارثة التي يحدثها جراء تقاعسه عن تأدية واجبه، ولو تصور هذا المسؤول ماذا ينتج عن تورمه وانتفاخه، وإغلاقه الأبواب، وجلوسه خلف المقعد، وكأنما يجلس على ربوة رملية في مكان خال من البشر، ويتأمل وجهه كيف يتورم جراء هبوب الرياح على وجنتيه.
لو تخيل المسؤول هذا الوضع المزري الذي يعيشه وهو ينأى بنفسه عن القيام بواجبه، ويؤثر على نفسه اعتبار الوظيفة عملاً وطنياً لا يحتمل البهتان، ولا يحتمل التلاشي خلف الكرسي، ولا يحتمل الاختفاء عن عيون الناس حتى لا ينفذ ما تتطلبه الوظيفة.
كرسي الوظيفة ليس كنبة مخملية في مجلس البيت الذي يملكه المسؤول، ولا هو سرير في غرفة النوم، يسترخي على وسادته المسؤول، كي يأخذ قسطاً من الراحة، ثم النوم.
كرسي الوظيفة مكان لتأدية واجب وطني ووظيفي وإنساني، واجتماعي، عليه أن يتفنن في ترتيبه وتهيئته، ليكون مكاناً لراحة الآخرين، وتلبية مطالبهم، والصدق في التعامل معهم.
أعرف مسؤولاً تقدم إليه أحد المواطنين لطلب وظيفة، فظل هذا المسؤول يزرع في نفس المواطن الأمنيات البيضاء، ويلاحقه بكلمة لا تقلق.. لا تقلق، إلى أن مضت الشهور، حتى جاءه الرد، (طلبك مرفوض) فتحول قلق المواطن إلى إحباط بحجم الكذبة التي تشربها من ضمير المسؤول الذي كذب وتولى.