الذي جعلني أكتب عمود اليوم هو أنني كنت في طابور لدخول السينما، وفي العادة الإنسان لا يلتفت وراءه، بعكس الذي أمامه تجده يقيسه بشبر وذراع وباع، خاصة إذا كان من الجنس اللطيف والوزن الخفيف، لكن بدرت مني التفاتة جانبية فإذا ورائي يقف رجل صيني ملثم، فتنحنحت، وختلت كالذي أصابه «حكر بقر»، لا أستطيع أن أنسل من الطابور، ولا أقوى على الوقوف طويلاً، خاصة أن الماهوب «كورونا» هاب من هناك، فشعرت ببعض السخونة، وضاق صدري، وتمنيت لو أن ذاك الضيخ الأحمر الذي يقف في أول الصف يكون بيني وبين الصيني، أولاً لأنه ساتر منيع، وثانياً لأن شكله «دبل» ما يعوّل، ويبدو أنه سواق جرارات زراعية، والحطبة اليابسة لا تحتاج منه إلا لضربة واحدة بالخصّين ليفلقها، دعيت أن لا يسعل الصيني ولا يعطس، لأننا في سن حرجة من المراهقة الثانية، و«أدناة الدون يعبج فينا»، ولا نقهر، فكيف إذا ما كان «كورونا»!
أول ما سمعت بأخبار «كورونا»، قلت هذا من الأكل العوف، لأن الصينيين يلايمون كل شيء، فشعارهم الملياري معروف: «كل ما يدبّ على الأرض تطاوله»، حتى قرأت قبل يومين خبراً مفاده أن السبب في ظهور فيروس «كورونا» مرده لأكل الصينيين الخفّاش، وأكلة الخفّاش قدمت لي مرة في جزيرة «سيشل»، على أساس أنه في صحن «سينييه»، وبجانبه حبة ليمون على شكل زهرة اللوتس، وعويد أخضر ما أعرف شو من العلة، وزلال بني متخذاً شكلاً سوريالياً، فسألت إذا كان هو نفسه الذي ينام متعلقاً، ومرتبطاً في الذهن بمصاصي الدماء، فقلت: لو تذرون عليه ذهب ما طاح في جوفي.
الصينيون شعب جدير بالاحترام، وما أطيع فيه، لكن تقاشرت عليهم هذه السنة القمرية سنة الفأر، بس يقول لك أن الصينيين بنوا مستشفى في ستة أيام ليستريحوا في اليوم السابع، وقبل أن أنهي العمود ورد عليّ خبر أن وزير الصحة الصيني أعلن أن الأطباء الصينيين اكتشفوا لقاحاً مضاداً ومتطوراً لفيروس «كورونا»، وزين أن الصينيين ما «يتوايهون بالخشوم»، وإلا الحين نصف قارة آسيا منقرض، حليلنا نحن كم رأس، وعقّاط يعقطنا، ولا نروم ننش أسبوع، وإن نشّ الواحد عقب ذيك العثرة، ينشّ متبريد، وعظامه ما تشيله، نحن حدنا.. حدنا «كورونا مكسيكي»، وحتى هذه تعقط وايدين في الدواوير، وإلا تلقى الواحد منهم يكتب شيكات تلايا شجاعة الليل، ويوم يقوم بعيون منتفخة وحواجب متهدلة، يتذكر أرقام الشيكات، فيجفل من مكانه، ويتصل باللي تسلم عيونه، ويقول: «تراني كنت أسوي مغَيَة أمس في الليل، والشيكات غير مصدقة»، وإلا ذاك الذي يحلف بالطلاق من أم محمد، والمسكينة هي اللي تفتح له الباب وتصابيه، وتبات تدعى له بالهداية والرشاد!