هذا كلامك قد ألفناهُ فلا تزدنا ضرراً. أنت حصاد حقيقتين كلتاهما شَرَكٌ، ولا ثالث بينهما سوى الشك. وأنت مرعاك شوكٌ، ومشربك الدمع، وزئير قصيدك أنّات حروف جرّ. وما دمت تغرف من آه المساكين لترتوي، لن يؤول الزبد الذي على شفتيك إلى أي معنى، ولن تحمرّ الوردة في يمينك حتى لو رفعتها ضد الضباب. إلى أين ستمضي، وقد آمن غيرك بالسكّين وعيّنوا حاملها هلالاً على رؤوسهم المنحنية؟ وفي أي درب ستترك نعليك وتركض حافياً على أرض السراب الذي لا ينتهي؟ لست حامل حجّة كي نُصغي، ولا لسانك لاذع وطويل. القوس الذي أطلقك سهماً في الفراغ، هو الرُحمُ الذي تمرّد، فتجرّد من خدعة الجهات. لا شيء سوى الدوران المستمر في الحلقة التي تتسع. لا شيء سوى التكرار يعضّ ذيلهُ على ذيلِه وينتمي أوّل ما فيه إلى عدمِ ما لا ليس فيه. كأن الحياة أحجية وأنت تمشي وفوقك شمسان تتعامدان وبينهما قمرُ ضاحك، وظلكَ كلما تلاشى صار دليلك لليقين. والغريب أن خطوتك، بمجرّد أن تنويها، تصير وقوفك. لم نعهدك عبداً للجدار، بل راكعاً للنافذة التي فيه. ولم نسمعك خصماً تُندد بالمشيئة، بل صمتاً يخصّها بالمناجاة، مسترسلاً في طاعة القدر الذي ظلمهُ عدلٌ، وبعض هذا الظلم حبٌ، وبعضه أنسٌ يليقُ بأن ترتضيه. الدارُ في الدنيا واحدةٌ. حتى لو تفرّعتَ أنتَ في أركانها متقلباً في الأسباب والأشكال، هائماً في المدن الغريبة، وواهناً من كَلف أحمالها عليك. يكفيك انتماءك للماء، لست بحاجة للنار كي تصل إلى البحر. يكفيك أن السماء مظلة زرقاء، وأن أسبوع الندى يبدأ حين فمك على فم الوردة، وذراعاك قوسان في عناق شجرة ترغب أن تغادر، وساقاك غرسٌ في طين هجرات مؤجلة. ويكفي أن الذين ماتوا، أحياء على لسانك حين تغمغم بأسماء نسلك. وأن الذين تبرّموا وغصّ نشيدهم بعويل خيباتٍ، هم الآن نبتٌ باسمٌ إذا نطقتَ حبّاً، وسال على طرفِ حرفك لُعاب أمل جديد. أيها الغريب. خدعةٌ أن يُشارُ إليك بأنك أوّل من يمتطي الدرب. لست نهراً لنقفز في جريان سردك. وما قيل قبلك ناقصاً، سيعادُ بعدك كاملاً، ويضاف إليه أن المسافة حصانٌ منهكٌ وكاب لا محالة عند أول حفرة. حين تتفتح زهرة الهاوية، ويغريك شذاها أن تقفز في مصيرك المجهول.