كان الرئيس الصومالي “المخلوع” زياد بري حاكماً ديكتاتورياً فجاً، فدارت عليه الدوائر وانقلبت الدنيا على رأسه، حتى لم يجد مكاناً يؤويه ويحميه من غضب الغاضبين ونقمة الناقمين. وبرحيل بري انفتح الصومال على آخره كدمل متقيح وانتشر صديده في كل أرجاء الصومال، في البلد الذي كان يزخر بالخرفان ذات المؤخرات الضخمة، ومشاكيك الموز النضيد، وتحول هذا البلد الأسمر، الساكن عند شفة الماء، إلى بلد تجوس فيه الدماء الفوضوية، وتعيث القرصنة في أحشائه وأرجائه، حتى بات يشبه القارة الموحشة، الهائلة العائمة على حشد من حملة السلاح، وكلٌ يغني على ليلاه، وليل الصومال أصبح طويلاً عيّا الطبيب المداوي أن يداويه، فلم يتبق كبيرة ولا صغيرة إلا وحشدت نحوه الدبابات والطائرات بقصد ترويض الذئاب الجائعة، ولكن دون جدوى، لأن حبات السبحة قد انفلتت، وعذوق الموز قد تهورت، والخرفان السمينة توحشت، وصار الغشيم يفتك بالهشيم، واللئيم يقاتل الأثيم، ولا هدف غير القتل، حيث تنامت الأعشاب الشوكية في كل الأنحاء، والأرض الخصيبة أصبحت عطيبة، والكل يخون الكل، وبقيت بنات حواء يجُلن في العراء، يندبن الحظ وما ارتضى من مقدرات وطاقات، وما اكتظ من حقد وكراهية شاعت وتلاطمت كأمواج البحر الأحمر المأخوذة ببنادق المتربصين بأرزاق عباد الله.
اليوم يتحدث بعض الصوماليين عن زمانهم القديم، وفوق كل ذي علم عليم، والذين يعلمون بما تسفر عنه الحماقات قلة في أوطاننا، لذلك نجد الذهاب بعيداً في التغيير قد يقلب الحافلة على أصحابها، ويطيح بأحلامهم وآمالهم إن لم يسيروا على الأرض هوناً، وأن يخاطبوا الجهل بالمنطق والحجة والبرهان، بعيداً عن التهور، وبعيداً عن التصور، وبعيداً تصور الأوهام على أنها أحلام وردية قد تجلب الحظ السعيد، وتأتي بالرطب الجني. فالجاهل عدو نفسه، ومن لا يستعمل أداة العقل في علاج القضايا الكبرى فإنه يهزم الأمل، ويسقط في دوامة اللا حل، غير أن العنف، والخسف والنسف، وهذا ما عاشته وتعيشه بلاد الصومال، ولا أحد ولا بلد مبرأ من أن يصير مصيره لمصير الصومال، لأنه ما من تغيير إلا وتشوبه شائبة الأغراض الشخصية التي تسكن بعض النفوس التي لا تنطلق من حس وطني بقدر ما تدفعها أغراض وأمراض مرتبطة بتاريخ الأفراد وماضيهم الشخصي، وما ينتج عنه من نيران تكوي الوجوه ولا تطهي طعاماً ولا تنجز هدفاً تحتاجه الأوطان. فالتغيير الذي لا يحفظ سيادة، ولا يحمي منجزاً، ولا يرعى ذمة، ولا يعتني بمصالح شعب، فإنه نفخ في بوق عطب.
التغيير لم يكن بمعايير إنسانية ووطنية فهو عواء في خواء، فلا نريده ولا نهواه.


marafea@emi.ae