في الحياة متنوعات، ونحن بين المتنوعات عيون ترى، وآذان تسمع، ونلمس، ونتذوق، ونشم، نحن في المتنوعات كالفراشات نحط على الورود المختلفة، ولا نلتحم إلا بما نستسيغه وما يفتح ذائقتنا للتورد، والازدهار.
نحن مختلفون كما هي الأشكال، والألوان، والأجناس مختلفة. عندما تجد شخصاً يرتدي قميصاً مزركشاً، مرصعاً بقناديل من الأزرار الزاهية فقد تمتعض، وقد تشعر بالاشمئزاز، والتذمر، لماذا؟ ليس لأنَّ ما يرتديه هذا الشخص أمراً منكراً، وإنما لأنه لا يلتقي مع ذائقتك، وأنت في الذائقة، تريد أن يصبح الناس قالباً واحداً، أي نسخة منك، ولا غير.
للذائقة أنانية فظة، وفجة، وعنيدة، ذائقة تفجر فيك براكين الغضب كلما أمعنت في تأمل ما يخرج عن ذائقتك. أنت في الذائقة تهفو إلى ترسيخ الجمال، وتصبو إلى تكريس الصورة المثلى في الحياة، وهذا شيء مشروع أخلاقياً، ولكنك عندما تتقوقع عند منازل الأنا، تصبح أنت خارج نطاق الجمالية، وتدخل في الأنانية، تدخل في محيط عميق، لا يدعك ترى غير أخمص قدميك، لا يدعك تسمع غير صوتك، ولا يدعك تلمس غير جفنيك.
نحن وعلى الرغم من رؤيتنا هذا الكم الهائل من المتنوعات في الحياة، إلا أننا نصر على واحدية الأشياء، لأن ما بداخلنا يرفض الخروج من عزلته، ويمقت التنوع، لأنه يخاف منه، ويخشى من فقدان التميز.
هذه معضلة في أزلية الدوار الذي أمسك بالرأس وراح يعصر المخيلة، حتى أصبحت في الوجود، مثل ليمونة قديمة. نحن في كل الأحوال نضع أنفسنا في صلب الذائقة، ونبوئ عقولنا بحيث تكون العصا الغليظة التي تسلط قهرها على ذائقة الآخرين، ومن ذائقة الألوان والأشكال، ننتقل إلى ذائقة الأفكار، وفي خضم التفاكر، نقف نحن عند ناصية ملتهبة، ولا نتورع أن نحجم عن الاندماج في الكل، ولا نذعن لطبيعة الأشياء، في توحدها، بل نخرج من هذا التنوع، بتبجح، بأن ما أفكر فيه هو الصحيح، وما تفكر فيه أنت هو الخطأ.
من النقطة المفصلية، يحتدم صراع الأضداد الذي من المفترض أن ينتج عنه بناء جدران الحياة، يصبح العكس صحيح، عندما تتورم الأنا، وتنتفخ مثل خروف نافق، وتقف حائلاً أمام أي تطور في حياتنا، بل إنها تشعل صراعات دامية بين البشر، والدول. وفي المحصلة، إنه لو قبل الإنسان في التنوع، لتحرر من البغضاء، وانتصر على النفايات التي تلقيها الأنا في طريقه. فقليل من التأمل في الألوان المختلفة، يجعلك تنبهر لما لها من قوة بناء الحلم الذي تتوخاه، والأمل الذي تتمناه.
فقط القليل من النظرة المرهفة، تجعلك تتخلى عن الاحتقان، تجعلك تسير في الطريق من دون إغماض العينين التي تؤدي بك إلى الاصطدام بالحائط السميك.