ليس أشد سهولة من صنع الأعداء، فقط كل ما عليك فعله هو ترك لسانك حراً طليقاً في ترجمة مشاعرك الفعلية وإطلاق كل ما يخطر على بالك من أفكار على شكل كلمات لا تحاول أبداً أن تتخيرها، اتركها كما هي بكل ما فيها من سوء. ثم وبطبيعة الحال، تأتي المرحلة التالية من عملية صنع الأعداء؛ عبر تحريك كل حواسك لانتقاء السيئ وفعل القبيح، وسيكون ذلك سهلاً جداً؛ فالكلمات تتحول الى افكار، والأفكار تتحول  بكل تأكيد إلى أفعال، المثير جداً أن ذلك يحدث ببساطة شديدة. أما عكس ذلك، فهذا في غاية الصعوبة؛ فصنع الأحباء يحتاج إلى تفكير مطول قبل إطلاق اللسان في التفوّه بكلمات انتُقيت بحرص من القلب، كذلك دفع الحواس في التقاط الجميل وفعل الرائع لجذب الأحباء.
يبدو الفارق واضحاً تماماً، ولكل منا خياره في أي الصنفين يريد حوله، أحباء.. أم أعداء.
تصبح كلماتنا مخيفة -بشكل لامتناهٍ- بسبب اتساع الفضاء المفتوح لوسائل التواصل المساعد لتطاير شررها المُعدي، فتنتشر ثقافة الكره والفتنة بكل مظاهرها من تشنج في السلوك اللفظي وبالتالي الحركي بدون أي داع حقيقي لها؛ ثم تتحول بعدها تداعيات هذه الأفعال إلى عبء ملوث، تتوارثه الأجيال يصعب بل قد يستحيل تغييره.
رغم كل التطور البشري غير المسبوق في نوعيته وسرعته على مستوى الحضارة الإنسانية منذ بدء الخليقة، بقي السوء والشر محل ازدياد وتوسع، وقد مكنت التقنية الحديثة من تفشيه؛ حتى إنه أصبح أسهل الأفعال التي يمكن أن تحدث في الحياة، في حين يبدو تغيير ذلك أمراً صعباً، بل ومستحيلاً خاصة على المدى المنظور؛ فما بالك بتحويل هؤلاء الأعداء إلى أحباء وأصدقاء كما كانوا. أعتقد أن هذا الصنف من البشر سيستمر مع استمرار الخليقة، وسواء كان سلوكهم هذا بقصد أم بغيره، سيكون علينا في كل الأحوال أن نواجهه بدرجة كبيرة من الوعي، فلا تنزلق لأول الشرر، ذلك الذي يحدثه سوء استخدام الكلمات، لكي لا نصبح مع الوقت مثلهم.