لمبزرة واحة على راحة الرمل والعشب القشيب، هي طائر حط على مرتفع ومرتع، فأمتع وأبدع في التحليق في فضاء النفوس.
في هذا المكان يحلو الزمان بأمان واطمئنان، وتتزين المشاعر بجميل ما أبدعته يد الإنسان وفضيلة العاشقين الذين سوروا الأمكنة بأطواق من دهشة، ووضعوا على صدر التراب قلائد وقصائد، وتمادوا في مد المدى بأساور أحلى من الذهب، وأجلى من السكب. لمبزرة مسكوبة على الرمل بيد صانع عشِقَ الحياة وأبدع الجمال خصالاً وفعالاً وكمالاً.
وقد زرت هذا الكوكب الدري في ليلة من ليالي القمر، كان الوقت يحطب في ثنايا العمر، ويخصب في سجايا القدر، زرتها بأحلام الأولين، وكلام العاشقين، ولكن، كان ما كان من صدمة أيقظت الغمة، لأن لمبزرة في تلك الليلة شاهدتها تشكو الفضوليين والمهملين الذين قذفوا بقذارة نفوسهم على العشب حتى ارتعدت خصلاته فزعاً وتذمراً وتألماً لما يحصل على أيدي الإنسان الذي جاء ليستمتع، ليرقع ثوب هذه الحسناء بلوثاته العقلية، وتلوثه الأخلاقي، فيرمي بما شبع منه وأراد أن يتخلص منه على الأرض وفي أحشاء العشب، وكأن الذين يفعلون ذلك بينهم وبين النظافة عداوة، وبينهم وبين الجمال خصومة، وبينهم وبين الإخلاص للأرض جفاء، وبينهم وبين الحب للمكان إجحاف واستخفاف وإسفاف، ولا عفاف.
زجاجات البيبسي وعلب الأكلات السريعة ومناديل الورق متناثرة هنا وهناك، وكأن الذين جاؤوا من بيوتهم إلى هذا المكان لم يأتوا ليستمتعوا، بل لكي ينتقموا من رجال النظافة، هؤلاء المساكين الذين تصليهم حرارة الشمس اللاهبة وهم يغسلون التراب بأيديهم مما تلوث به وما فعلته أيدي الشياطين، وكأن الذين زاروا هذا المكان يريدون أن يقولوا للمسؤولين عن أناقة المكان، لماذا تتعبوا أنفسكم بكل هذا الجهد المضني. وكأن الذين يؤمون لمبزرة قبل أن يصلوا إلى ترابها قد حيدوا ضمائرهم ووضعوها في زاوية من زوايا بيوتهم، وجاؤوا إلى هنا محملين بأوزار اللامبالاة والإهمال، واعتبار كل جهد يبذل لأجل الرقي الحضاري والثقافي بالناس هو لا شيء، هو هباء، هو جفاء، هو زبد لا يعنيهم في شيء.
حقيقة أقول من أجل بلدنا ومن أجل حفظ جهد الذين يتعبون لصناعة الجهاد، لا بد من عقاب ولا بد من محاسبة الذين لا يحترمون حرمة البلد، ويمارسون الفوضى الأخلاقية بصور مختلفة تسيء إلى وجدان الناس الذين يرون تصرفات ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً غير الاستنكار والرفض المعنوي. لذلك، فإن العقاب والعقاب المشدد هو الحل لأن من لا يحترم يجب ألا يحترم، وفرض عقوبات مادية ومعنوية كفيل بأن يوقف هذا السيل الجارف من الأخلاق الفاسدة. راقبوهم، حاسبوهم، عاقبوهم، فسوف ينتبهوا ويرتعدوا.


marafea@emi.ae