شأن الوالدين شأن عجيب، إذ لم يربط الله أي عمل صالح مع التوحيد إلا بر الوالدين، ومع الشرك ذكر عقوق الوالدين، وانظر، في كتاب الله وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، مكانتهما وقدرهما؛ فالوالدان باب من أبواب الجنة، وللأسف أغلبنا يمتلك هذا الباب داخل منزله ولكن لا يعطيه حقه، ولو استشهدنا بمواقف السلف الصالح من صحابة وتابعين، لشاب شعرنا وذهلت عقولنا لما كانو يفعلونه مع آبائهم، لأنهم كانوا على يقين أن جنتهم ونارهم داخل منازلهم، فقدموا لهم الغالي والنفيس واجتهدوا في رعايتهم وتدليلهم لينالوا قبولهم ورضاهم. ولو نظرنا في زمننا هذا لرأينا أن أغلبنا يوجه جل اهتمامه لأبنائه، سواء بتعليمهم والسهر على مأكلهم ومشربهم وعلاجهم وترفيههم وغير ذلك من مظاهر الحياة، بينما لايعطي نصف ذلك لأبيه أو أمه؛ ولا يقف العقوق عند هذا الحد، بل نرى أحيانا أبناءً يتأففون ويتذمرون من آبائهم بشكل سريع في مواقف كثيرة، دون أن يكون هناك حلم وصبر عليهم، متناسين كيف كانت معاملتهم في الصغر وكيف أغدقوا عليهم الحب والحنان. ففي حياة الصحابة والتابعين مواقف وقصص نيرة، تدل على قمة ورفعة العلاقات والتقدير والاحترام المتبادل بين الأبناء وآبائهم، فهذا ابن عون أحد التابعين نادته أمه فرفع صوته فندم على هذا الفعل وأعتق رقبتين، وكان ابن سيرين إذا كلم أمه كأنه يتضرع وإذا دخلت أمه يتغير وجهه، وكان الحسن البصري لا يأكل من الصحن الواحد مع أمه، خشية أن تسبق يده إلى شيء وأمه تتمنى هذا الشيء، وهذا ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، كان قد أحضر ماء لوالدته فجاء وقد نامت، فبقي واقفاً بجانبها حتى استيقظت ثم أعطاها الماء. ويحكى أن هناك أباً في الـ85 من عمره وابنه في الـ 45 وكانا في غرفة المعيشة، وإذ بغراب يطير بقرب النافذة ويصيح فسأل الأب ابنه، الأب: ما هذا ؟ الابن: غراب وبعد دقائق عاد الأب وسأل للمرة الثانية والثالثة والرابعة، فلم يحتمل الابن هذا واشتاط غضباً وارتفع صوته أكثر، وقال: اففف تعيد علي نفس السؤال، فقد قلت لك إنه غراب هل هذا صعب عليك فهمه؟ عندئذ قام الأب وذهب لغرفته ثم عاد بعد دقائق ومعه أوراق شبه ممزقة قديمة من مذكراته اليومية، ثم أعطاها له وقال اقرأها، بدأ الابن يقرأ: اليوم أكمل ابني 3 سنوات وها هو يمرح ويركض من هنا وهناك، وإذ بغراب يصيح في الحديقة فسألني ابني ما هذا فقلت له إنه غراب، وعاد وسألني نفس السؤال لـ 23 مرة وأنا أجيبه للمرة الـ 23، فحضنته وقبلته وضحكنا معاً حتى تعب فحملته وذهبنا فجلسنا. Maary191@hotmail.com