وما يجعل الصراع أكثر تفاقماً هو هذا التحديد، وهذا التهديد، وهذا الوعيد، وهذا الحشد الهائل من مشاعر الترهيب الذي يعيشه الأبناء في البيوت، كما في المدارس الأمر الذي يجعل من الخوف مثل كرة عملاقة تتدحرج في داخل الطالب، حتى تخفيه كفرد ولا يبقى غير الخوف يقف متجهماً، متفاقماً، مزدحماً، متراكماً، متضخماً، مترامي الأطراف، فلا تحده حدود، ولا تصده سدود، لأنه هو الأكبر في عالم الامتحان، وفي وسط العصبية الجاثمة على صدور الأسر التي لا تريد أن ترى أبناءها فاشلين، وكأن الرسوب هو نهاية العالم، بينما الكثير من عباقرة العالم فشلوا في الصف المدرسي، لكنهم تقدموا الصفوف في مجالات الإبداع، وأديسون مثالاً. لذلك نحن لا نريد لأبنائنا التراخي والإهمال، والتكاسل، ولا نريد منهم أن يعتبروا الدراسة ظرف نزهة وترفيه ولعب ولهو، لكننا لا نريد أن نخضعهم تحت سلطة المقارنة، ونزوة التفوق رغماً عن أنوفهم، فكل إنسان لديه قدرة عقلية لا يستطيع تجاوزها، كما أن لكل إنسان ملكات في تخصص أو اتجاه معين ولكن الآباء يريدون للأبناء أن يكونوا مثل جهاز التلفاز، يحركون موجاته كيفما أرادوا، هذا هو مبعث الخوف، عندما يواجه الطالب الوضع الامتحاني لأنه في هذه الحالة لا يرى الورقة، وإنما يرى وجه الأب المكفهر، والذي يريده متفوقاً بأي حال من الأحوال، كما أنه يرى وجه الأم الشاحب التي تريد أن تتباهى أمام الجارات بابنها الذي لم يتفوق عليه أحد. ومثل هذا الوضع يشيع في نفس الطالب رغبة في الانتصار على الورقة الامتحانية وإذا لم يسعفه مخزونه من الحفظ، فإنه يلجأ إلى وسيلة غير مشروعة وهي الغش، وإذا لم يتمكن فقد يشرع إلى معاقبة النفس، فسمعنا في الآونة الأخيرة أن طلاباً في دولة عربية قد انتحروا لأنهم لم ينجحوا، وهذه معضلة الفكر العنيف، والمتعنت، والذي يحمل في جعبته إرثاً تاريخياً مفعماً بالخوف من الهزيمة. لماذا نخاف من الفشل، فهو الطريق الصحيح إلى النجاح والإبداع، ولماذا نحمل أبناءنا، وبخاصة الأطفال، عبء الخوف من الرسوب، وهم لا زالوا في عمر الزهور؟ لماذا نترك الزهور تذبل، وهي في فصل الربيع، بحجة منع الفشل. الحياة لم تتوقف عند ورقة امتحانية لا قيمة لها إلا بما تحمله من شظايا التخويف التي تدخل صدور هؤلاء الصغار، فتفتك بمشاعرهم، وتحولهم إلى عناصر خطرة ليس على نفسها فحسب وإنما على المجتمع، لأن الوطن بحاجة إلى رجال ونساء أقوياء وغير خائفين، والوطن بحاجة إلى بشر مجازفين، مقتحمين الحياة من دون رجفة خوف، ولا رعشة رعب.