الخوف سوط نفسي، يجلد الروح، فيدميها إلى حد الفجر، ومن يخاف لا يعمل، ومن لا يعمل لا ينتج، وآفة الخوف وباء أسطوري، رافق الكثير من الشعوب، التي تعاني بطش مَنْ بيده سلطة اتخاذ القرار.. وللخوف أشكال، وأصناف، وأفعال.. فالموظف الذي يخاف من “تفنيشه” يصاب بحالة من الاضطراب، والارتباك، واهتزاز الشخصية، ما يجعله يمنى بالفشل عند إنجاز أي مهمة في مجال عمله.. وفي دراسة جديدة نشرتها صحيفة ديلي ميرور البريطانية، أن 60% من البريطانيين يعانون الخوف، خشية فقدان وظائفهم، بعد الأزمة الاقتصادية التي ألمَّت بالعالم ومنها بريطانيا، وأوردت الصحيفة أن 48% من الموظفين يهابون أخذ الإجازات المرضية.
الخوف وأسبابه، واضطرابه، يقف حجر عثرة في طريق الإنتاج، والإدارة في أي مؤسسة عمل التي لا تفهم كيف تتعامل مع النفس البشرية، تقود المؤسسة إلى الفشل الذريع.. وتقعدها عن تحقيق أهدافها، لأن الخوف المستقر في صفوف موظفيها يحجب عنهم رؤية الأهداف، وينصب أمام أعينهم طرائق تجعلهم يتوجسون من الإقدام على أي عمل، خوفاً من الفشل الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى غضب المدير المتغطرس، ومن ثم إصدار قراره الحاسم والجازم، والصارم، والظالم، في معاقبتهم بإنهاء الخدمة، وتركهم مع الهوام تائهين مع الشوارد.
للخوف قدرة فائقة في تسميم الأجواء النفسية لدى الأفراد وفي نشر وباء الموت السريري، وفي دفق الطموحات وإحالة الطاقات العقلية إلى كرسي التقاعد، إن كان للتقاعد كرسي.. فالإبداع لا يأتي إلا في مكان تفوح منه رائحة الشفافية، وتنثال منه أعباق تجدر الاحترام المتبادل بين أعضاء فريق العمل الواحد في المكان الواحد.. فلا يستطيع الكائن البشري أن يفجر طاقاته، في ظل أصفاد تكبل الروح، وقيود تسلسل الذهن، ما يفضي به إلى حياة الجماد.
الخوف نقمة، وعتمة، تشيخ لهما الولدان، وتتكسر مجاديف، وتتشقق أشرعة، وتتحطم صروح، ولا يبقى من الخائف غير هيئة بشرية، أشبه بالإناء الفارغ.. الخوف طريق إلى التخلف والتزلف، والانعطاف كلياً نحو الهزيمة النفسية والعقلية.
شعوب العالم متساوية، في القدرات والطاقات، ولكن ما يفرق بين أمة وأخرى، هي هذه النسبة المكثفة من الخوف الزارع الحقيقي للأوهام، الطارد الأكيد للحقائق، الملتزم دوماً في صناعة أشخاص أشبه بالدمى، أقرب إلى الأجهزة المتحركة بالريموت.. الخوف لا يصنع حضارة، ولا يقدم منجزاً ولا يشكل غير ثقافة الخنوع، والسوداوية والسلبية.. الخوف صناعة بشرية، يركب عناصرها أفراد بطريقة خاطئة، يتوقعون منها نتائج مبهرة، والنتيجة النهائية تعود على الصانع والمصنوع من أجله بالخسارة الفادحة.. الإداري الناجح هو القادر بجدارة على مطاردة الخوف، وصياغة علاقة تُؤثث الوجدان الإنساني بالحب، ويُعبِّد المشاعر بالود والتفاهم.


marafea@emi.ae