بعض الأصدقاء مثل عود الكبريت، لا يصلح إلا للاستخدام لمرة واحدة. إنه يغريك لاشتعاله، ويبهرك الضوء الأحمر المصفر، فتذهب نحوه مدفوعاً بالحب، نحو شعلة أضاءتك وأدهشتك، أنعمت عليك بأسفار في الليل البهيم. فجأة ينطفئ ذلك الضوء، ويتحول العود المسفر، إلى خشبة عجفاء، خاوية من الحياة.
تفتش أنت عن المحتوى، وتبحث عن الحياة وتسأل نفسك أهي الحياة ومضة، ثم غمضة، ثم رمضاء، ثم هواء يلفح وجهك بسهام حارقة زاهقة، فائقة في العدمية. قد تحتفي بصديق، وتحتفل بميلاد جنين ينبت في ثنايا وجودك وتشعر أنك في قلب الشمس، تشعر أنك في صلب النبضة، وفي أحشاء مشيمة، تحفظك من الخلل، وتضمك، وتحضنك، وتحتويك في الطوايا، والسجايا، وأنت المزمل في طيات الحلم الجميل، تبسط الدنيا لك جناح الذل من الرحمة. بعض الأصدقاء أشبه بالصدمة الحضارية، عندما يأفلون، ويختفون، خلف أطياف الزوال، ويهتفون مثل موجة عارمة، تأخذ منك البهجة، وتتلف فيك المهجة، وتلتف من حولك مثل لفافة تالفة، يطوقونك بأسئلة الفقدان وأنت المتأمل لوجوه تضيع في زحمة المبهم، الغامض، المريع، وأنت القارئ في فنجان المعوذات، المسهب في تلاوة ما خفي، وما عظم، تجد نفسك في الخضم، المدلهم، المفعم بالضجيج، المتراكم مثل الأوجاع الليلية، تجد كل هذا في بعض الأصدقاء الذين تسومهم أنياب اللهاث سوء عذاب، ويسومونك بالتهاب يملأ فناء الروح، ويزجها في رجيم، وحميم، وسقيم، وغميم، وضريم، وظليم، وقتيم، وعديم، هؤلاء هم أصدقاء اللحظة الفانية، هؤلاء هم أصدقاء الرحلة القصيرة، حول دائرة مغلقة، قطرها لا يتجاوز أصبع الإبهام، هؤلاء هم الحمل الكاذب في أذهان المراهقة، هؤلاء هم الذين يأخذونك إلى قاع البحر، ثم ينسلون مثل إبرة خيطها من لعاب كائن جائع، هؤلاء هم الذين يرسمون على سبورتك، صورة كائن وهمي، ويجعلونك تصدق أنك تتملى وجه إنسان خارق، وما أن تفرك جفنيك، تكتشف أن الوجه، هو وجه الكذبة التي تلقفتها، وصدقتها، وآمنت أن بعض الكذب حقيقة. هؤلاء هم الأصدقاء الذين يشبهون فقاعة الماء، تنتفخ لتنفجر.
هؤلاء هم أصدقاء اللحظة الأخيرة عند رصيف قطار أسرع من الضوء. تفكر أنت، وتستعيد دفتر الذاكرة، وتتراءى أمامك وجوه مثل أفلام الكرتون، تذهب وتختفي، وبعد انتهاء الحلقة، تنظر إلى شاشة الوعي، فلا تجد غير رقصة الموت، لغزالة العقل، وهي بين أنياب وحش ضار.