الليلة قبل الماضية غص مسرح منارة السعديات بنخب من رجال الفكر والإعلام والمثقفين الذي تقاطروا من مختلف مناطق الدولة لحضور المناقشة الفكرية للدكتور علي راشد النعيمي، بمناسبة إطلاق إصداره الجديد «الدولة الوطنية.. صناعة النهوض»، والتي سبقت توقيعه على الكتاب الذي رغم صغر حجمه (181 صفحة من القطع المتوسط) تعرض بأسلوب سلسل مبسط للإشكالية الكبيرة للقضية، متكئاً على التجارب الشخصية للمؤلف لتوجيه رسائل محدّدة للجيل القادم تتعلق بقضايا محورية.
جيل بحاجة لمثل هذه الرسائل في مرحلة دقيقة من التاريخ المعاصر لأمتنا العربية التي ابتليت بتلك المجاميع الضالة المتاجرة بالدين الإسلامي، وفي مقدمتها «الإخوان الإرهابية»، والتي عملت لتقويض فكرة الدولة الوطنية لمصلحة دولة الخلافة المزعومة، وتناسلت من عباءتها كل التنظيمات والمجاميع الإرهابية التي عاثت فساداً وقتلاً وتدميراً في بلداننا.
وقال «إن بعض القضايا التي يناقشها يبدو ظاهرها فكرياً، لكنّ أبعادها تلمس حياة الإنسان والمجتمع، وإن جميع المشاريع الحضارية تحتاج إلى إجابات عن القضايا الرئيسة في خطابها الديني، ومنظومتها التعليمية وتماسكها المجتمعي».
وبيّن أن الكتاب الجديد يركّز في جوهره على فكرة وجود إطار جامع يتمثل في الدولة الوطنية.
في النقاش، استدعى المؤلف تجربته وحواراته في التصدي للذين أرادوا تنصيب أنفسهم أوصياء على ديننا الإسلامي العظيم بقيمه السمحة ورسالته الوسطية واعتداله، مشدداً على أن «الإيمان الحق والتدين الخالص لا يتعارضان مع متطلبات العصر والحرص على التطور والرغبة في التقدم، وأن الإسلام العظيم هو دين خالد وحضارة إنسانية، ملك البشرية جمعاء، وليس حكراً على جماعة أو أيديولوجية أو تنظيم أو حزب أو حتى مدرسة فكرية بعينها». وقلل في الوقت ذاته من أهمية بعض الأصوات النشاز الخارجة على قيم ومسارات مجتمعنا المحافظ المتمسك بعقيدته وفطرته السوية.
واستدعى المؤلف النموذج الملهم الذي قامت على أسسه وقواعده دولة الإمارات العربية المتحدة، نقطة وتجربة مضيئة للدولة الوطنية القائمة على المواطنة الصالحة، وقيم التعايش والتسامح، والانفتاح على الآخر.
أمسية جميلة تجاوزت مجرد الاحتفاء باستقبال كتاب جديد يمثل إضافة للمكتبة الوطنية، فقد كان الفكر فيها حاضراً، وكذلك الحرص الذي يجمع الجميع على ثوابت هذا الوطن الشامخ بأبنائه وقيادته التي امتلكت من الحكمة والرؤية الثاقبة التي كانت لنا البوصلة الدقيقة التي مضت ببلادنا نحو مرافئ الأمن والأمان والرخاء والازدهار.