بعض الأزواج ينهض في الصباح، مثل الطير المرتعش خوفاً من خشخشة الأغصان من حوله. يفرك جفنيه وينظر إلى الجثة الهامدة قريباً منه، ويتلفت، وجلاً، ويقول في سره عسى، ولعلَّ أن يستمر السبات العميق في عيني المحروسة، ولا تفتح جفناً حتى يغادر المكلوف، ويترك مكانه، قبل أن تتحرك عربة المطالب اليومية، وتنفتح قصاصة الورق المطوية تحت الوسادة.
يقول ذلك المغدور، وفي قلبه رجة الجدران المنطوية تحت عصف، ونسف، وخسف، وكلف. يتمنى ألا يحدث ما يسمعه في كل صباح تنكسر فيه زجاجات الروح عندما تسمع ما لا يحتمل سماعه. ويخرج من باب المنزل متسللًا، متسربلاً مكبلاً بمشاعر غامضة تجتاحه مثل ريح صرصر.
وبعد أن يصل إلى الشارع، يتنفس الصعداء كونه نجا من مغبة السرد اليومي الملحاح، ولكن ما يحدث وهو في منتصف قارعة الطريق، يذهب الأمل أدراج الرياح، فإذا بالهاتف يرن، وتنفجر قربة الماء الساخن في أذنيه، يسمع صوتاً أشبه بأزيز الذبابة الحائرة، يتوغل في رأسه، ويملأه بالحشرجة يملأه بنقيق ضفادع متضورة، يذكره بكلام الليل الذي لم يمحه النهار، والتي كانت نائمة فرت من قسورة غفوتها مثل لبؤة مستنفرة، تعاتبه على فراره غير المبرر، وتذكره بمواعيد الذهاب إلى المول، لقضاء ما تمتلئ به جعبة أي امرأة، من أسئلة، لم تزل خزانة الملابس تعج بها، وتفيض.
يتوقف الكلام، وينعقد لسان المبهوت من هول الصوت المتهجد، ولا يملك إلا أن يفوه بلسان عبد قيده القلب الرهيف، بخيوط تبدو في ظاهرها، خيوط الحرير، وفي باطنها أسلاك شائكة، لها صعقة الكهرباء.
يحاول أن يطفئ الحريق، برشفة ماء، أو لمضة شفتين، يحاول أن يهرب مقترباً من فؤاد من ملكت سؤدد الوخزة الأولى في شغاف، مضها الوخز، والهمز، واللمز، والوجز، وأحياناً الزجر، والنهر، والقهر، والسحر، في السر والجهر.
وبعد أن تصل الرسالة المفصلة، لا يملك المسكين إلا أن يقفل راجعاً، وعلى حساب اشتغالاته العملية، لتأكيد إخلاصه، للتي جادت في اللوم، وفاضت بالعتاب، وطفح كيلها بلغة ما جادت بها قريحة سيبويه.
وعوداً على بدء، يدخل البيت، وفي عينيه جناح فراشة منثن، وفي صدره قلب أدمته الأسئلة المبهمة «لماذا يا ترى قلب الرجل، مثل قطنة، تبللها قطرة ندى، تنزلق من وريقك لسان امرأة، تجيد الوصول إلى الشطآن من دون شراع أو مجداف»، ثم يلثم شفتيه، بزمة صمت، ويأخذ القصاصة، مشمولة بأعداد المطالب الشرعية، واللا شرعية، ويذهب مثل فكرة ضائعة في رأس مجنون.