أشد ما يُشعِر أحدنا بالأسى أن يصدم بإنسان ظن أنه صديق، فلا وجده كما يقال الصديق عند الضيق، بل تركه في وقت الشدة والكرب، وقد كان مضاحكاً ممالقاً وقت الرخاء وكثرة المال وفي أيام العز، ولكن الصدمة سرعان ما تزول حين نكتشف بأننا في الأصل، قد أسأنا اختيار الأصحاب، والأولى أن نلوم أنفسنا على ذلك، فمن الحكمة اختيار الصديق المناسب، وكما يقال “الصاحب ساحب”. وجه هِشام بن عبد الملك ابنه على الصَّائفة، ووجَّه معه ابن أخيه وأوصى كلَّ واحد منهما بصاحبه، فلما قَدِما عليه قال لابن أخيه‏:‏ كيف رأيتَ ابن عمّك فقال‏:‏ إن شئت أجملت، وإن شئت فسّرْتُ قال‏:‏ بل أجمل قال‏:‏ عرضتْ بيننا جادة فتركها كلُّ واحد منَّا لصاحبه فما رَكِبناها حتى رَجعنا إليك‏.‏ وقال يحيى بن أكثم‏:‏ ماشيتُ المأمون يوماً من الأيام في بُستان مُؤْنسة بنت المَهديّ فكنت من الجانب الذي يَستره من الشَمس فلما انتهى إلى آخره وأراد الرجوع، وأردتُ أن أدور إلى الجانب الذي يَسْتره من الشمس فقال‏:‏ لا تفعل، ولكن كُن بحالك حتى أسترك كما سَتَرْتني فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين لو قدرتُ أن أقيك حَرَّ النار لفعلتُ فكيف الشمسُ فقال‏:‏ ليس هذا من كرم الصُحبة ومَشى ساتراً لي من الشّمس كما سترته‏.‏ وقيل لعمر بن ذرّ‏:‏ كيف برُ ابنك بك قال‏:‏ ما مشيتُ نهاراً قط إلا مَشى خَلفي ولا ليلاً إلا مشى أمامي ولا رَقِي سَطحاً وأنا تحته‏.‏ وقيل لزياد‏:‏ إنك تَستخلص حارثة بن بدر وهو يُواقع الشراب فقال‏:‏ وكيف لا أَسْتَخْلصه وما سألته عن شيء قط إلا وجدتُ عنده منه عِلْماً ولا استودعتُه سِرّاً قطْ فضيّعته ولا راكبني قطّ فمست رُكْبتي رُكْبته‏.‏ قال‏ محمد بن يزيد بن عُمر بن عبد العزيز:‏ خرجتُ مع موسى الهادي أمير المُؤمنين من جُرْجان فقال لي‏:‏ إمّا أن تَحملني وإمّا أن أحْملك، فعلمتُ ما أراد فأنْشدتُه أبياتَ ابن صِرْمة‏:‏ أوصــــيكمُ باللـــــه أولَ وَهْــــلةٍ وأحســـــابِكِم والبـــــرُّ بالّلــــه أوّلُ وإنْ قومُكم سادوا فلا تَحْسُدوهم وإن كُنتـــمُ أهلَ السِّـــيادة فاعْدِلوا وإن أنتــــمُ أعْـوَزْتُـــمُ فتَعفَفَّـــوا وإن كان فَضلُ المال فيكم فأفْضِلوا وإنْ نزلتْ إحدى الدَواهي بقَوْمكم فأنْفُسَــكم دون العَشــيرة فاجعـلوا وإنّ طَلبــوا عُرْفــاً فلا تَحْرمـوهـمُ وما حَمَّلوكــم في المُلمـّـات فاحملوا Esmaiel.Hasan@admedia.ae