كيف نهجرهن، ونغادر فراشهن، ونحن تواقون إليهن، عاشقون، مدنفون، مولعون، فلا يطيقنا فراش، ولا يتحملنا لحاف ونحن نحاول أن نلقنهن درساً للطاعة والشفاعة والخنوع والخشوع والركوع والقبول بالأمر الواقع حتى وإن كنا المخطئين المذنبين العاصين غير المعصيين·· هكذا يقول أحدهم وهو يتجرع طعم المرارة وبحرارة فؤاد، ونفس مكسورة وروح مخفورة ومشاعر مأسورة· ثم يضيف قائلاً: نحن الرجال أضعف خلق الله أمام جسارة المرأة وجدارتها في تحمل العصيان الذكوري، نحن نعتقد أننا أصحاب جأش وبأس شديدين، بينما الأحداث الكبرى تظهر أننا أضعف من جناح بعوضة عندما تصد المرأة وترد، وتدخل في الجد، يتهاوى جبل الجليد الذكوري ويستعصي علينا مواجهة الرياح الباردة، النافذة من قارة قطبية جنوبية متجمدة، أخمدت نيرانها بصبر أنثوي لا مشهور ولا مسبوق على وجه البسيطة، نشعر أننا أمام كائن جبار، ختار، مكار، لا يرحم التوسلات الضمنية، ولا يشفع لحالات الاستغاثة العاجلة، بل يدع النيران تلتهم هشيم الرجولة وتعيث فيها فساداً ودماراً، ونظل هكذا تحت أصفاد مرحلة هي من أشد مراحل العمر قسوة وقهراً، نحاول أن نتماسك ونظهر العين الحمراء بلا جدوى ولا نفع، نجاهد أن نتجلد بالصبر، لكن فطرة المرأة أقوى وأعنف وأشنف، فنكابر ونغامر ونثابر في شغل النفس بما يبعدها عن العلاقة الزوجية، ولكن الرجل الضعيف في داخلنا يخذلنا، ويكسر شرائح الزجاج الرقيق في داخلنا، فنمط البوز، ونمد البصر بعيداً عن عيني المرأة التي تشيح وجوماً وتحملق في الشاشة الملونة منهمكة في متابعة أحداث مسلسل درامي أو فكاهي، أو ملاحقة عرض لأزياء الموضة· ويزيد الاحتراق والفراق مر ودم مراق، والشقاق حرقة واكتواء للأشواق والأحلام، نتلفت يمنة ويسرة، نريد أن نختلق موضوعاً يكسر حاجز الصمت ويذيب الجليد، لكن لا جدوى، فالمرأة بحر بلا قرار وأرض واسعة، تضاريسها شعاب ووديان وصحراء تضج وتعج بالنباتات الشوكية الوخازة· يتنهد الرجل ثم يردف قائلاً: عندما توقعني الأقدار في هكذا موقف أتمنى لو خلقني ربي امرأة لسوف ألقن هذه المرأة درساً لن تنساه في الجفاء وحرق الأعصاب، سوف أجعلها تموء حولي كالهر المنكوب، والأرنب المشخوب·· ولكن ما فائدة التمني، أنا صرت كذا وهي صارت هكذا·· حين أرى وجهها وأنا أتلقف الشفقة كالغريق ألعن العالم وأحداثه وصروفه، ولا أقول فليذهب هذا الكون بمآسيه وكوارثه الى الجحيم، فما أعانيه أشد وطأة وويلاً حيث النفس تطمنها أنواء وأرزاء وتعاني ما تعانيه من ويلات· الغضب الأنثوي الذي لا يرحم ولا يشكم ولا يلجم·· فهي على الرغم من مكرها ودهائها لا تفهم معنى المشاعر عندما تستعر ويصبح كالجمرات تحت أقدام كائن حافٍ لا يملك من زاد الدنيا غير ضعفه وتمنياته الكسيرة الأسيرة· كفانا وإياكم شر من لا يرحم